ثقافة

أمزجة شعرية منوعة في لقاء الثلاثاء الأدبي

ثلاثة أمزجة شعرية استضافها لقاء الثلاثاء الأدبي، وذلك في الأمسية الشعرية التي أقامها الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين لهذا الأسبوع، أمزجة مختلفة في الشكل والمضمون والمعنى، حضرت في قصائد كل من الشاعرين السوريين “ثائر زين الدين” و”سوزان إبراهيم” والشاعر التونسي “محمد كنايسي”.

وبعد المقدمة التي أعلن فيها مدير الأمسية، القاص “أحمد جميل حسن” عن أن جميع اللقاءات التي سيقيمها “لقاء الثلاثاء الأدبي”، ستكون أبدا تحت عنوان رئيس “القدس عاصمة فلسطين الأدبية” حيث حضرت القدس برمزيتها الكثيفة في بداية الكلام، ثم دارت رحى القصائد ما بين ضجيج السيارات الداخل من النافذة، وبعض الأحاديث الجانبية التي أرهقت السامعين، ليفتتح الشاعر ثائر زين الدين الأمسية بعدة قصائد من مجموعته “أناشيد السفر المنسي” التي تدل من عنوانها على اتكائها على الميثولوجيا بشقيها الأسطوري والقدسي، متخذا من حادثات بعينها مثل “الخروج من سدوم” وقصتها الشهيرة موضوعا رمزيا له، ليتحدث الشاعر بلسان “لوط” تارة وزوجه تارة أخرى عن تلك الحكاية، وكان بإلقائه المتمرس يعيد الخيال من شروده كلما ذهب مع القصة الشهيرة ذاتها، وهنا مكمن الخطورة في الاتكاء على القدسي وقصصه، التي ألفها الناس، فصار طرحها نفسه يصادر الحالة الشعرية ويتفوق عليها ذهنيا عند القارئ.
تلقيت إنذارك أيها الرب/جاء الملاكان يرتعشان/ترفرف حولهما ريح معمورة/تأكل النار أبنائها وأبصرتم سيلا من النفط والقار خلف الجفون، إلى أين أخرج؟ شيخا أنا/ والنمال التي كفرت أيها الرب شعبي”
وكان للشاعر التونسي محمد كنايسي أيضا صولته في مجموعة من القصائد التي ألقاها، منوها أنها بلا عناوين بعينها، فهي تقول ما تريد أن تقول، ذهبت قصائد كنايسي بمعظمها نحو اليومي والراهن، مستخدما تقنية التفعيلة التي تحمل معها إيقاعها وموسيقاها الداخلية، فقد حضرت القدس وحضر الراهن السوري بدلالته المباشرة، وربما هذا أكثر ما يؤخذ على قصيدة كنايسي التي تتماسك مكوناتها ببراعة، إن كان في موضوعها المغلف بالحزن أو بلغتها الرشيقة التي تفرضها قصيدة التفعيلة أساسا على كاتبها، رغم أن بعض الجمل والمفردات، تمّ ليْ عنقها لتلائم القافية، وأحيانا كانت تذهب تلك المقاطع الشعرية، لتكون ذات بعد بصري أيضا، يمرر الحكاية كمشهد مرتبك في المتن، لكنه يعود ليعتدل في الخاتمة التي جاءت مفاجئة وبسيطة.
“بكل نقودي القليلة/ حققت حلمي العظيم، اشتريت لها وردة/ وردة واحدة/ لونها أحمر مثل قلبي الكريم/ وفي عطرها كلماتي التي لم أقلها/ لتلك الفتاة التي كان في وجهها دائما، بعض حزن وسيم، وشامة خد وعينان ذابلتان قليلا، فقد كانت الكلمات تموت/ إذا ما نظرتُ إليها، وتتركني فارغا كاليتيم”.
ربما كانت الشاعرة “سوزان إبراهيم” أكثر من ظُلم في إلقائها قصائدها النثرية، والتي هي عادة أجمل منها عند القراءة على الإلقاء، فصوتها المنخفض، وعلو الهسهسة جعل من الصعب متابعة قراءتها لما ألقته من قصائد، إلا أن قصيدة عن لوحة ضمت على قماشها ملامحها، جعلتها تنجح في خلق حالة تفاعلية مع الحضور، من خلال تلك الألعاب اللغوية التي رسمت فيها حروفها وفق مزاجها الخاص، حيث تصبح هي الشخصية هنا، أما دخولها اللوحة وخروجها منها برمزيتها وما تعنيه هنا من إسقاطات عاطفية وحياتية تتقاطع عوالمهما، فهو أمر ملك يديها، وعموما لم تخل قصائدها من مفردات اليوم، “كهرباء مقطوعة، واتصالات كذا الأمر، قصف ودافع، وعواطف لا تملك إلا أن تخترع كمالها وسط كل هذه الفوضى.
عقب الأمسية نقاش عام حول أجوائها والانطباعات النقدية العامة التي خرج بها الحضور من شعراء وكتاب وصحفيين، لما سمعوه من قصائد، ثم انتهت الأمسية الشعرية، وانصرف المسافرون إلى أيامهم، وبقي الصدى وحيدا يرن في تلك الصالة.
تمّام علي بركات