ثقافة

تحية وفاء إلى روح الشاعر سائر إبراهيم

طغى الحزن الشديد على وجوه الحاضرين في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- في أمسية تحية حبّ ووفاء إلى الشاعر الراحل سائر إبراهيم الذي وافته المنية إثر حادث أليم، متمثلين قول الشاعر” لستُ أدفع ما يأتي به القدر”، الأمسية التي كان من المقرر أن يشارك فيها الراحل مع  الشاعر د. بيان محمود السيد إلا أن القدر حال دون ذلك، فارتأت وزارة الثقافة عدم إلغاء الأمسية لتجمع محبي الشاعر في أمسية بإدارة الشاعر الإعلامي علي الدندح، لم تأخذ طابع التأبين وإنما كانت أشبه باسترجاع الذكريات ومواقف الراحل المشرّفة تجاه بلده لاسيما أنه حمل بأمانة هموم الشعب إلى قبة مجلس الشعب، لتمضي كل المفردات في قصائد رثاء تبدو أشبه بمجلس عزاء، وليربط د. السيد بين رثاء الشاعر سائر وشهداء الجيش العربي السوري والهمّ الوطني في صوره الشعرية بين المشهدية والتصوير والتساؤلات والنداء والطلب والتمني.
بدأ الإعلامي علي الدندح بسرد سيرة ذاتية لحياة الشاعر متضمنة الجوائز الدولية التي حصل عليها منها جائزة الأقصى، ليقرأ الشاعر السيد مجموعة من قصائد الراحل تحية له ثم يخصّه بقصيدة خاصة كتبها لفقده بعنوان”هيهات يرحل شاعر” مبتدئاً بحضور الغياب:
” يا سائراً ورحيق شعرك بيننا أنت المقيم
ونحن طيف عابر”
ليصل إلى “قدر…ويمعن في الرحيل مسافر
ركب الغيوم
وأيقظ الشمعات في ظلمات أنفسنا
وسارع وانسحب
اليوم كان لقاؤنا
ها قد أتينا”

ملامح الحرب
واختار الشاعر السيد مقطعاً من قصيدته”وعندي الكثير” من مجموعته بقاء، فقرأ بصوته الرخيم وبتصويره الحالة الشعرية للحرب التي شبهها بالعاصفة:
“وعندي الكثير
لأحكي وأروي
إذا ما نجونا من العاصفة
سأكتب عن خيبتي
عن بقائي
وعن ساحة البلدة الخائفة
عن الصامدين
عن الهاربين.
ليقترب أكثر من تفاصيل الحرب التي عشناها من موت الأبرياء وقتل الأطفال كما في قصيدة كتبها إلى طفلة أصيبت بشظايا:
“ريماس مرّت دونما قصد بساحات المنية
نُقلت إلى الإسعاف تحمل داخل الجسد”
لينقلنا في قصيدة ذات وطن إلى أجواء مفعمة بالألم دمجت بين ملحمة الحبّ والحرب، معتمداً فيها على الوصف الحسيّ للمشهد مصوّراً القنص أحد أساليب الأشرار في القتل، ليستبدل  فرحة الانتظار ولهفة النظرات برصاص القناص الغادر كما في:
“شباك الهوى للقنص
للصباحات الثكالى”
وليقترب من قناديل العشاق ولكن بصورة أخرى:
“كل قنديل عشق قد تخرب”
ليصل إلى الطلب باستخدام فعل الأمر
“عدّ  يا كلام الله في كتب الأزاهر” وفي موضع آخر يكثر من التساؤلات
“يا موت يشغلنا السؤال
ألا يراودك التعب”

الكوميديا السوداء
وخصّ السيد شهداء الجيش العربي السوري بقصيدة مؤثرة وصف فيها آلام الفقد وسؤال الصغار الذين ينتظرون دون جدوى من يشاركهم قطع القالب الأول، ولكن المفاجأة التي أعلنها على المنبر كانت قصيدة الكوميديا السوداء التي نعيشها التي اعتمد فيها على المحاورة الشعرية بضمير المخاطب مع حبيبته التي ينتظرها بعد أن تخترق الحواجز وربما تضل الطريق وتصل إلى الإرهابيين:
“متى وصلت بساحة مهجورة
عدي ثلاثة أسقف مهدومة
وتجاوزي سيارة محروقة ”
وتحدثت عضو مجلس الشعب السيدة جانسيت قازان عن معرفتها بالشاعر التي تعود إلى الاجتماعات تحت قبة المجلس لتصف أخلاقه الحميدة وتفانيه بخدمة قضايا بلده وإخلاصه بحمل الأمانة، منوهة إلى مكانته الشعرية المرموقة لتخلص إلى أن الشعراء يرحلون وتبقى أشعارهم.
وتابع الأديب الأرقم الزعبي وصف اللقاء الأخير بينه وبين الراحل في شوارع دمشق بهمسات شعرية يختمها بقوله:
آه أيها الموت ألا يكفينا موتاً”

شاعر رهيف الإحساس
وتحدث الأديب عبد الفتاح إدريس عضو الأمانة العامة في اتحاد الكتّاب الفلسطينيين عن لقائه مع الشاعر في معرض الكتاب واستضافته في أيام الثقافة الفلسطينية التي قُدمت أثناء معرض الكتاب، ليقول: أدركت حينها أنه شاعر رهيف الإحساس، وهذا يذكرني بأهمية الكلمة في الدفاع عن هذا الوطن الجريح، ليصل إلى احتفالية الموت المفاجئ بهذه الأمسية بآلاف الضحايا الذين سقطوا فوق تراب هذا الوطن، يذكرنا بآلام الأمهات وعذابات الأطفال، إثر الظلام والحقد الذي اجتاح بلدنا.

هموم الطبقات الشعبية
كما تحدثت الشاعرة أمل المناور عن أسلوبه الشعري والتزامه بمحاكاة هموم الناس على اختلاف شرائحهم بمعاناتهم وهمومهم، إضافة إلى خاصية سلاسة التعبير لديه متطرقة إلى رحيله المبكر في الوقت الذي تحتاج فيه الثقافة إليه، كما تحدث الزميل سامر الشغري عن تواضعه وقربه من الناس من خلال زيارته مقر سانا وإصغائه إلى شكاوى الناس..

قصائد رثاء
وألقى عدد من الشعراء قصائد رثاء للراحل سائر منها قصيدة د. أسامة الحمود:
تمهل يا صديق فمن سيشدو
لنصر من عيون الفجر آت
والشاعر محمد خالد الخضر وإبراهيم منصور، وكانت للشاعر د. محمد سعيد العتيق مشاركة خاصة بقراءة مجموعة من أشعار سائر إبراهيم إضافة إلى قصيدة كتبها له:
يانائباً عن شعبه ما أصدقك
ترقى المنابر واثقاً وتحاور
واختتم الأمسية د. محمود السيد شاكراً الجميع على وفائهم للشاعر، ليتحدث عن لقائه الخاص به بقوله: لاحظتُ منذ اللحظة الأولى أنه إنسان، فأكبرتُ إنسانيته وتأديبه الجمّ وأكبرت فيه أيضاً حرصه على تواضعه الكبير، تواضع الشموخ وشموخ التواضع، أكبرت تلك الصفات التي كان يتحلى بها، ليخلص د. محمود السيد إلى أن موته هو فقدان الإنسان في عالم فقد إنسانيته.

ملده شويكاني