ثقافةصحيفة البعث

أطباء أسنان تشكيليون في المعرض الفني الرابع

حلب – غالية خوجة

يتوقع الكثيرون أن المختصين في المجالات العلمية والحقوقية والتاريخية والجغرافية وغيرها، ومنها الطبي والهندسي والقانوني، يهتمّون بالجانب العلمي الإنساني فقط، ولكنهم يخرجون عن أفق التوقعات العادي إلى عالم الفنون والثقافة.. لماذا؟

لأنه العالم المتأصل في الأعماق النفسية والمجتمعية، وهو مساحتهم الخفية لممارسة الحياة العملية بفنية، فكم من أطباء أدباء، وكم منهم مارس الفنون من موسيقا ومسرح وتشكيلّ!! هذا ما تخبرنا به حكاية المعرض الفني الرابع في الرسم والنحت والتصوير الضوئي الذي افتتحته نقابة أطباء الأسنان فرع حلب بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين فرع حلب، في مقرها بجادة الخندق الحاضرة مع معالم حلب القديمة، وهذا ما أكد عليه رمزي اللولو من مجلس محافظة حلب رئيس اللجنة الثقافية، وهو يجيبنا: الفن يكمن في كلّ إنسان مهما كان اختصاصه، لأنه بلا حدود، فكثير من الفنانين والشعراء هم ضباط وأطباء، وهذا إبداع وإحساس وله دور في المجتمع، كما أجابنا د. سامي عكش رئيس فرع حلب لنقابة أطباء الأسنان: مبادرة لمواهب الأطباء وإبرازها وعرضها تشجيعاً لهذه الطاقات، ورأى الفنان يوسف مولوي رئيس فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين أن سورية ترسم معالم النصر، وأطباؤنا ليسوا بعيدين عن مكنوناتهم الفنية الراقية، وما يجول بها تجاه الوطن والحياة.

بداية، كانت الأمنية أن تكون اللوحات أكثر تنظيماً كي لا تختلط أعمال المشاركين الثمانية معاً، أمّا الملفت فهو حضور بعض الرموز الطبية فنياً، مثل الأفعى كرمز للحياة والتجدّد وهي من لوحات د. ماهر لباد الذي تحركت أعماله بين النحت والرسم لتسرد أحداثاً تدور بين مباني المدينة ونوافذها وشخوصها.

والملاحظ في أعمال د. ريم الصالح المزج بين الطبيعة والهندسة والرومانسية العاكسة لعالم المدينة من خلال هدوء الأبنية وملامح السماء المطلة بين الأشجار بين غيم خريفي وغروب صيفي.

ولم يبتعد د. سامر السخيطة عن تصوير الآثار بقناطرها وإطلالاتها على حكاياتها الداخلية والمحيطة، وكان د. فيكين مظلوميان قريباً من الذاكرة التراثية بلقطته للكرسي الوحيد في الحديقة والممرّ الأثري المصاب بالألم، بينما اعتمد د. زاهر عيروض على التشكيل بالحروفية وتدرجات ألوانها الحمراء والزرقاء إضافة لتماوجات العناصر المكانية البيضاء النافرة مثل الشبابيك القديمة والورود.

صبر الماندالا

وعن تجربتها، قالت د. قمر الخطيب: أرسم الطبيعة الصامتة لتتحدث عني، وأرسم الماندالا بزخارف هندسية نباتية تنطلق من زهرة اللوتس ومركزها آية من سورة “الضحى”، كما أشارك بمنحوتات خشبية مثل مجسم الضرس، ودوائر المولوية المرتكزة على مقولة لجلال الدين الرومي: “أنت في كلّ شيء”، وأتعلم الصبر من الزخرفة والزركشة الدقيقة.

اللقطة ليست الهدف

وبدوره، أوضح د. ياسر علي بك بأنه يهتمّ بمعالم حلب القديمة كونه من جيل عاصرها، وأضاف: الهدف ليس اللقطة، بل الرسالة التي تحملها للأجيال القادمة، ومن أعمالي جامع الشعيبية كأول جامع بُني في حلب وكان مدرسة، والجامع الأموي الذي تتضح مئذنته في صورة أخرى، كما أوثق بصورة ماكينة الصباغ كأول ماكينة في حلب ذات التراث الصناعي، وأهتمّ بالمجتمع الذي أعبّر عنه بصورة لجيلين مختلفين يجلسان في الحديقة العامة أحدهما شاب يقرأ الجريدة والثاني عجوز يتأمل، وفي لقطة أخرى طفلان في قاعة التزلج، الطفلة تشجّع الطفل وتسحبه ليخوض المغامرة.

بحر وحمامة وفجر

ومن الجيل الذي ولد قبل الحرب بعقد وعاصرها د. مصطفى سرداني: دخلت إلى مئذنة الجامع فشاهدت الحمامة جالسة بطمأنينة في عشها فصوّرتها، وكذلك التقطت لشاطئ البدروسية حالة المدّ عند الفجر، ووثقتُ جبال كسب في لحظات طبيعية تحبّ التأمل.