ثقافة

أحلام خليل

أكسم طلاع
تعددت الآراء في فهم الأحلام وطبيعتها وتفسيرها, وأسهب علماء التحليل النفسي في هذا الاتجاه وأدخلونا في متاهات “الليبدو” كما السيد “يونغ” والتأليفات الجنسية واللاشعورية وأمور تتعلق بالكبت “فرويد”، وأسهب ابن سيرين في تفسيرها، كما دارت أحاديث العاطلين والعاطلات عن تأليف الأمل حول فناجين قهوتهم وتفسير مرتسمات بقايا ما يرتشفون من متعة متشابهة في لونها ويقظتها، إلا أن الفقراء لهم أحلامهم وقهوتهم وما اتسع من وقت يربون على هوامش يومياتهم الأمل ويعوضون بعضا مما يستحقون من حياة يفتقدون لها بفعل غياب عدالة الكون، ومن الدهشة أن تجد بعضا من الناس يتحدثون مع أنفسهم في الشارع، إنهم يفكرون بصوت عال، ويعجبني من الناس من يتكلم في منامه، -وأنا واحد منهم- وأعرف أن السبب الجميل هو ما يمنعني من الوصول في نهاري لما أريد وأصبو، لأن ما أريده من عدالة هو أمر مؤلم للبعض، ولا طاقة لي بإيلام أحد أو أن أكون سببا في قساوة تطال شخصاً على هذه الأرض، لكن الحلم والكوابيس أكثر أمانا فهي في مكان لا يشاركني إلا أعماقي ورغباتي والمستيقظون من أهلي الرحماء بي وبموتي المؤقت وبأفكاري المخبأة بعيداً.
يعود بي الزمان إلا الوراء حيث مدرستي الابتدائية في الصف الثاني الابتدائي، وأذكره جيدا صديقي خليل، ذاك الطفل  اليتيم النحيف الأسمر، يشاركني في المقعد و”لفة” الزعتر والأقلام، هذا الخليل العجيب صاحب رواية جميلة وحلم مليء بالأمنيات، وكم كان يحدثني عن  قصص خرافية من تأليف عالمه الصغير الذي “علكه” الحرمان والفقر، وقد اكتشف أستاذنا يوما موهبة الخليل صديقي في الحصة الأخيرة ذات يوم، وكانت مخصصة للقصة، وهي حصة محببة للصغار لأن أستاذنا يقرأ لنا قصة تبدأ بـ كان يا مكان… إلى نهاية القصة حيث يقرع جرس المدرسة إيذانا بالانصراف للبيت، وفي إحدى المرات خطر ببال الأستاذ أن يسمع قصة من أحدنا وطلب من خليل أن يسرد لنا قصة سردها الأستاذ لنا في وقت سابق في الصف، لكن خليل اعتذر من الأستاذ وطلب استبدال القصة بحكاية الحلم الذي عاشه في الأمس وأكد أنه يحلم كل ليلة بشيء جدير بأن يروى، وطلب مني الشهادة في ذلك دعما لرأيه الذي يعفيه من واجب إعادة ما نحفظه من قصص الأستاذ، وبالطبع لم أتردد في دعم أن نستمع لأحلام خليل فهي جديرة بطفولتنا آنذاك، لم يستغرب الأستاذ فكرة خليل ووافق على أن نستمع جميعاً إلى حلمه.
أذكر أن القصة بدأت بالتشويق من أولها، فالولد يملك من القدرة على الروي والتأليف ما جعلنا مشدودين إليه بشدة، وفي مشهد يصف دخوله مغارة التمنيات حيث فيه كل ما يريد من أقلام ونقود صفراء وذهبية وألعاب وطعام شهي لينهي هذا المشهد حين تقع عيناه على حذاء الكاوتشوك الأسود الشبيه بذاك الحذاء الذي لم تستطع أمه الأرملة شراؤه له، فاشترت حذاء آخر أكبر من رجله من أجل أن يرتديه هو وأخيه الأكبر سوياً، وبقي ذاك الحذاء الصغير في خاطره، ليظهر من جديد في مغارة الأمنيات السعيدة.. ويكتفي خليل بالحذاء ويترك مغارة علي بابا لـ “بابا”.. لأن الجرس قرع وانتهى الدرس، لنهب نحن وخليل إلى بيوتنا، وأغلبنا شبه حفاة لولا الحلم.