ثقافة

“سوريات صنعن المجد” أم الشهداء.. في مكتبة الأسد بدمشق

استضافت مكتبة الأسد الوطنية في ندوتها الثقافية الشهرية الأولى لهذا العام والتي حملت عنوان “سوريات صنعن المجد” أم الشهداء لتروي كل واحدة منهن حكاية صمودها وتضحيتها في سبيل الوطن، وفي تصريح لـ “البعث” قال مدير الندوة د. إسماعيل مروة: ستكرس وزارة الثقافة هذا العام ندواتها الشهرية للمرأة السورية تحت عنوان “سوريات صنعن المجد” عن نساء ومبدعات سوريات بعضهن على قيد الحياة وأخريات رحلن لكنهن راسخات في الأذهان والقلوب، فلا عظمة تجاري ما لدى أم الشهيد، لذلك كانت فاتحة الندوات بهدف تسليط الضوء على تجارب حقيقية لسوريين عسكريين ومدنيين استشهدوا خلال الحرب على وطنهم”.

قطفة الحبق

أتى “خضر” بعد ثلاث بنات وخمسة عشر عاماً من الزواج، اختارت أمه الاسم عن فعل مقصود وذاتي وهو رمز الخصوبة والتجدد والحياة، وهو لسورية البلد الذي علم الحضارة ونشرها في العالم، “خضر” المشروع الذي لم يكتمل –كما وصفته والدته د.إنصاف حمد التي قالت:

خضر أو أبو شكيب –كما كان يحب أن يسمى- شاب يضج بالحياة، تليق به الحياة ويليق هو بالحياة، كنت اسميه دائماً “قطفة الحبق” التي أرعاها برموش عيوني، أُطلق عليه الرصاص هو وأربعة من أصدقائه بكل برود وإجرام أثناء الامتحان على مقاعد الجامعة بتاريخ 27\11\2011 لموقف سياسي واضح أحدثت صدمة لوعيي وعقلي فضلاً عن قلبي، أن أفقد خضر وحيدي وصغيري هي فاجعة فظيعة فهو المشروع الذي لم يكتمل، ولكن أن أفقده على يد زميله في الجامعة وبيده القلم وبالغدر هذه فاجعة أخرى، ولا تقل ألماً أنا الأستاذة الجامعية التي نذرت نفسي لتربية الأجيال كيف تكون سورية أصيلة وحقيقة، لم يفارقني سؤال: كيف وصل أبناؤنا لقتل أخوتهم على مقاعد الدراسة؟ كيف كففنا عن أن نكون مرجعية لهم وأصبح مشايخ التكفير مرجعيتهم؟.

وسامحت والدة الشهيد خضر خازم من قتل ابنها فالمسامحة –بالنسبة لها- لا تعني النسيان، وإنما مد يد العون لنعود للعيش معاً بعيداً عن أحقادنا وأحزاننا وآلامنا، ولكن لا ينبغي أن ننسى ما حدث وإنما تبقى ذاكرة حية لكي لا تتكرر، أما عن التحدي الذي تعيشه قالت أستاذة الجامعة:

التحدي كان بالنسبة لي هل سأعيش مع أحزاني على ما فقدته؟ في الواقع، وجدت أن سورية فقدت الكثير، وأنا أم مثل الكثيرات، ونستطيع أن نحول هذه الفاجعة من سبب للانكسار والحزن والانهزام إلى عامل قوة وفخر واعتزاز، فخضر لم يعد موجوداً مادياً وإنما موجود في عقول الناس، وفي قلبي، وبالتالي ينبغي أن تبقى ذكراه حاضرة وحية، الحياة ليست بعدد السنين التي نعيشها وإنما بالأثر الذي نتركه، ولو عاش خضر مئة عام لما كان له هذا الاسم والحضور في عقول الجميع، خضر لم يغب وإنما احتجب، وهو في النهاية ذهب في سبيل غاية نبيلة وحماية هذا الوطن. سأعيش لأروي قصة “خضر” وهذا عهدي ليبقى حياً في القلوب والعقول، ولن أسمح بأن يغيب أبداً، إنه حي وحاضر وأراه في صمود السيد الرئيس وعنفوانه، وأراه في روح المقاومة التي ينشرها السيد حسن نصر الله، وأراه في ابتسامات الصبايا وفي عنفوان الشباب وحيويتهم وفي أحفادي الذين يحملون ذات الاسم، وأراه في عيون زهراتي الثلاث، وفي وجوه طلابي، وأسمعه في صوت أصدقائه.

“القربان”

ولم يكن حسن ونوس أول شهيد ولا آخر شهيد، ولم تكن السيدة إلهام وسوف أم أول شهيد ولا آخرهم. الشاب الذي أراد أن يوقف دراسته للقتال في أرض المعركة، عنه تحدثت والدته:

تربى حسن في بيت وطني بامتياز مما دفعه ليكون أحد الجنود المدافعين عن الأرض، نجح في البكالوريا والتحق بعدها بخدمة العلم- القوات الخاصة، وبعد أربعة أشهر انتقل إلى إدلب- جسرالشغور، وأُصيب في رأسه بشظية نقل على أثرها إلى مستشفى المنطقة، وأثناء فترة الحصار كان التواصل مع حسن عن طريق الرسائل إلى أن أتى اليوم الذي أعلن فيه تحرير المستشفى، ولكن حسن لم يصل، وأدركت كقلب أم أنه لن يصل أبداً، فقد أكمل مسيرته وساعد في إنقاذ النساء والأطفال، وطُلب بفضل لياقته البدنية ليقوم مع الشباب بتغطية الانسحاب، وللأسف- استشهدوا كلهم- وبقينا ننتظر أخباراً من حسن إلى أن اتصل أحد أصدقائه وأخبر والده عن صورة الشهيد حسن وهو يحمل طفلاً.

أما عن كتابها القربان فقالت والدة الشهيد: بعد جنازة حسن قررت توثيق حادثة جسر الشغور، وأن أكتب عن سورية والفترة التي مرت بها، واخترت عنوان الكتاب “القربان” وخاطبت فيه ابني حسن بالقول “أنت تعرف ما حدث، ولكن “القربان” للأجيال القادمة لتعرف من كان يدافع عن سورية ويحميها من أي غدر وظلم”. في الحقيقة، لن نخاف على سورية طالما فيها أم شهيد تحمل نعش ابنها، فنحن لا نملك خنساء واحدة وإنما آلاف الخنساوات، فالسوريات هن من صنعن المجد، ربين أبناءهن وكبروهم وأرسلوهم للقتال والدفاع عن الأرض والكرامة والشرف.

وعن المرحلة القادمة قالت السيدة إلهام: لقد كتبت في “القربان” عن ابني حسن، والآن سأكتب عن قرابين مجموعة “أم الشهيد” التي تضم أماً من كل محافظة.

جمان بركات