ثقافةصحيفة البعث

صابرين وحكايات الناس

تبدو رواية (صابرين) لمؤلفتها دنيا المغربي متشابكة ومتعالقة إلى حد كبير مع ما يحدث أحياناً على أرض الواقع، وخاصة فيما يتعلق بالهم اليومي للمرأة التي تتجسد في نفسها مسألة قطار العمر الذي فاتها، وهي تنتظر مروره من دون جدوى، وهذا هو حال بطلتها “صابرين” التي تحمل عنوان الرواية كما تحمل مشكلتها وتبثها صباح مساء.

تمثل السيدة مسرة مع ابنتها صابرين جناحي العمل الروائي، حيث تأخذ دور المرأة الحكيمة التي تقدم النصيحة لابنتها، وهي المحبة للقراءة والعبادة وسماع الأغاني الشجية وخاصة القديمة منها، لكن الكاتبة لا تبقي بطلتها طويلاً على تلك الحال، إذ سرعان ما تنتهي من وصف حالتها على الرغم من أن البداية الوصفية تجلو الغموض عن حركة الأبطال كما يقول صدوق نور الدين في كتاب البداية في النص، لتبدأ بسرد حكاية خالتها التي توفي زوجها وعاشت في منزل مظلم تأكل جدرانه الرطوبة، ثم تنتقل الرواية للحديث عن شخصيات أخرى مثل أم منير والدكتور حامد وخطيبته عليا وأمجد الذي تحبه رجاء صديقة البطلة صابرين والشيخ كريم والشاب رأفت الذي يتدرب عند نجيب خال البطلة، وهذه الحكايات هي حكايات الناس كما قلنا في العنوان، وكان ينبغي على الكاتبة التركيز على بطلتها لأنها تحمل اسم الرواية أو العمل على الأقل.

لقد عانت مسرة في زواجها الأول معاناة لا توصف، إذ أنها تزوجت من رجل لم يمكنها من السكن في بيت مستقل وقد عاشت تعيسة مع أسرة زوجها، ولقيت من شقيقاته الويل، وربما هذا ما دعا القاضي أن يقول لوالدها: “أنت لم تزوج ابنتك لرجل. أنت زوجتها لثلة من النساء الجاهلات”، وهذه القصة تعول عليها والدة البطلة كثيراً لأن المغزى منها أن تنتظر ابنتها المزيد من الوقت، كما فعلت هي حيث أثمر صبرها أو انتظارها بأن تقدم لها القاضي أمين وتزوجها لتعيش معه أجمل أيام عمرها وتنجب منه فتاتها المدللة صابرين.

تكمن أو تتلخص مشكلة البطلة صابرين كونها فتاة عادية أو أقل جمالاً من غيرها، ولذلك تأخر نصيبها كما تروي النساء، وقد وصلت إلى مرحلة العنوسة، حسب رأي مجتمعها المحيط، ولأجل ذلك كانت تقارن نفسها دائماً برفيقاتها وصديقاتها وبمن حولها، لتؤكد لنفسها بأنها ليست جميلة وأن المسألة ليست فقط “قسمة ونصيب”، كما تؤكد والدتها السيدة مسرة.

عند هذه النقطة، يمكن أن نتوقف لنؤكد على مسألة النظرة الأحادية للعمل، بمعنى أن المرأة ترى دائماً أن الحق معها من دون أي اعتبار للطرف التي لا تريد أن تسمعنا صوته، وهذه النقطة بالذات يمكن تسجيلها على أكثر من عمل نسائي كتب بيد المرأة، حيث يهيمن الصوت الأنثوي السردي على الأصوات الأخرى، أو بالأحرى هو يتغيا كتمها وخنقها لتكون ممنوعة ومنطوقها غير مسموح به، وسواء كان ذلك عن قصد أو من دونه، فنحن في هذه الرواية سمعنا صوت المرأة ووجهة نظرها فقط، ولم نسمع الطرف المقابل أو شريك الحياة مع تلك المرأة، لأنه ربما يكون على حق أيضاً، وهذا ما يجب أن يكون وهو عين الرضا والعدالة، والدليل على ذلك ما انتهت إليه الرواية حيث تتزوج صابرين من شاب يدعى زاهر ورزقت منه بثلاثة أطفال هم على التوالي “أمين، نجيب، اسماعيل”، ثم تعود البطلة إلى سوداويتها ولا ندري ما الذي دفع الكاتبة إليها؟ حيث قام الأب بقتل أولاده من دون مبرر منطقي لذلك الفعل وبرأينا أن الإشارة إلى مغادرته المنزل في الصباح وعودته في المساء ومعاناته من الكوابيس الليلية غير كافٍ لذلك.

في توازنات الخط العام للعمل تتشابه قصة الأم مسرة مع قصة الابنة صابرين، فقد عانت الأم من ضنك العيش وعدد أفراد الأسرة الكبيرة، ثم طلقت ووفقت في الزواج الثاني، وهذا ما حدث لابنتها ولكن لأسباب مختلفة، فقد حكم القضاء بالإعدام على زوجها القاتل وصار من حقها أن توافق على الخاطب الجديد لتتزوج منه وتبني معه حياة جديدة وفي تلك النهاية تطابق بين القصتين، كما أن النهاية شكلت إلى حد ما انعتاقاً من الحزن والواقع المؤلم وأشعلت بصيصاً من الضوء في مواجهة عتمة رهيبة واليأس كما قيل هو الفشل في إضاءة دواخل الروح وأعماقها الدفينة، وقد كتبت الروائية معبرة عن ذلك في الصفحة الأخيرة قائلة عن صابرين بأنها “تخلت عن عزلتها وأعادت صلتها بالحياة وقبلت العرض وقررت أن تبني أسرة جديدة”.

في ختام هذه العجالة، لابد من العودة إلى البداية والقول إن الكاتبة دنيا المغربي قد اعتمدت في بناء عملها على حكايات الناس لتشكل منها شجرتها الوارفة الكبيرة التي تفرعت منها الأغصان، وتدلت لتبوح بتلك السير النسائية التي عانت من همومها في وقت سابق، وربما ستعاني في القادمات من الأيام، لأن حكايات الناس لا تنتهي وهي دائمة ما دامت الحياة وبحاجة لمن يعرف كيف يلتقطها ويسطرها فوق الورق.

محمد الحفري