اقتصادصحيفة البعث

عقارات الدولة والمنظمات بين الاستثمار والإيجار

بعض الجهات الإدارية الرسمية والمنظماتية تملك عقارات ذات أوصاف متعددة /زراعية – سكنية – تجارية – مهنية – صناعية – خدمية/، ومن المتوجب أن تستثمرها لتكون مصدر دخل يمدها بالكثير من نفقاتها السنوية، لا بل ولكي يمكنها من التأسيس لاستثمارات جديدة تخصص من تراكم الدخل الفائض، لكن المؤسف والمثير للدهشة أن أغلب هذه الجهات لا تستثمر ذاتياً إلا النذر اليسير من هذه العقارات، وبعض ما تستثمره منها لا يدر أرباحا بل يتعرض لبعض الخسائر، ما يؤسس لتبرير قيام الجهة المالكة بتعمد التأجير للقطاع خاص تحت مسميات عديدة، لا بل والمخزي أن بعض الجهات عمدت وتعمد لبيع بعض هذه العقارات تحت حجة وأخرى، دون وجود جهة رادعة بحجة أن الجهة المالكة صاحبة الحق بالتصرف وفق ما تراه.

على الأغلب تدعي إدارات هذه الجهات أن التأجير أو الاستثمار أو البيع لبعض العقارات، يؤمن لها الريعية الأفضل، قياسا بوضعها الحالي، رغم ما يتخلل بعض هذه العقود من فساد يخفف من هذه الريعية، رغم ما يظهر من قانونية تنظيمها، أكان ذلك آنيا أو نتيجة التقادم اللاحق، وقد تبين الكثير من ذلك، إثر الجهود المشكورة التي بذلتها وزارة الدولة لشؤون مشاريع الاستثمار والمشاريع الحكومية، بشأن المسح الذي أجرته لنسبة من العقارات الحكومية المؤجرة، إذ تبين أن آلاف عقود الإيجار السابقة الناظمة لتأجير عقارات وأملاك الدولة للقطاع الخاص – لجهة العقود الناظمة والقيمة الإيجارية – هي أقل من السعر المتوجب بكثير، وقد أثمرت مراجعات وتعديل نسبة من عقود تأجير أراضي وزارة الزراعة في بعض المحافظات، إلى تحقيق زيادة تفوق / 6 / مليارات ليرة، كما أثمرت مراجعات وتعديل نسبة 39 % من عقود إيجارات عقارات الوحدات الإدارية إلى تحقيق عائد إضافي يفوق / 10 / مليارات ليرة سورية، وتتابع الوزارة بناء قاعدة بيانات لمجمل العقارات الحكومية المؤجرة للقطاع الخاص، ما يسهل المتابعة الدورية لتصحيح العلاقة الإيجارية، والأمل معقود على أن تشمل هذه المراجعة عقود إيجارات عقارات المنظمات، وسيتبين أن الخلل الموجود في العديد منها على غرار عقارات أملاك الدولة، بل قد يفوق.

يبقى التساؤل المشروع لماذا لم تقم الجهات المالكة – الحكومية والمنظماتية – بالاستثمار الذاتي لنسبة كبيرة من عقاراتها، ولماذا تعرضت نسبة كبيرة من العقارات المستثمرة لخسائر أو لانخفاض الريعية، أليس من المتوجب أن تكون لدى كل جهة حكومية أو منظماتية استثمارات جزئية لما تملكه من عقارات، أليس من المستغرب أن تتعثر أو تنحسر الكثير من استثمارات وزارة الزراعة نتيجة خسارات كبرى تعرضت لها تتابعيا وهي الجهة المعنية بالإرشاد والتوجيه والرعاية لضمان استثمارات القطاع الخاص، ولها مديرياتها ودوائرها ووحداتها الإرشادية المتوزعة على جميع أراضي الوطن، فما الذي يمنع أن يكون لوزارة الزراعة ولكل مديرية من مديرياتها ولكل دائرة ولكل وحدة إرشادية حقلا زراعيا ومنشأة تربية دواجن ومنشأة تربية مواشي، وتكون هذه المنشآت نموذجا في الإنتاجية كما ونوعا وتوقيتا، يضاهي وينافس القطاع الخاص، ويكون مكانا تدريبيا للجهات التعليمية – كليات الزراعة ومعاهدها وثانوياتها- وميدانا إرشاديا لمزارعي لقطاع الخاص، أوليس من المتوجب أن يكون لدى الإتحاد العام للفلاحين مثل هذه الاستثمارات لما يملكه من عقارات وعبر عقود استئجار إضافية ينظمها مع وزارة الزراعة، بدلا من لجوئه لتأجير بعض ما لديه من منشآت، أليس من المتوجب أن تكون وزارة الزراعة والإتحاد العام للفلاحين معنيين بتسويق القسم الأكبر من المواد اللازمة للإنتاج الزراعي والحيواني ولأغلب الإنتاج المتحقق كل عام، بدلاً من أن تكيل التهم عن قصور الجهات الحكومية الأخرى، خاصة وأنه لدى كل منهما مكاتب معنية بالتسويق، لا بل وبعض العاملين فيها يحملون تخصصات عالية به، وسبق أن أوفدوا لهذه الغاية.

مشروع إعادة البناء والإعمار يوجب أن تكون أغلب الجهات الرسمية والمنظماتية، معنية بأن تكون قدوة في الإنتاج الكمي والنوعي لآلاف المنتجات المادية والخدمية، بما يقارب ميدان عمل الجهة، وتعد لتأسيس مؤسسات لهذه الغاية، لا أن تمارس دور الآغا – عبر تأجير أملاكها للقطاع الخاص – وتشغل نفسها في بناء القصور وفرشها بالأثاث الملكي والسيارات الأميرية، وتنتظر قدوم الشركات الأجنبية للنهوض من الركام.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية