برامج الكاميرا الخفية أفكار مستهلكة والغايات تجارية
من المتعارف عليه أن الكاميرا الخفية تعتمد على مقالب تستهدف إيقاع عدد من الأشخاص في الأفخاخ المعدّة لهم من خلال مشاهد محبوكة بدقة تتسم بالواقعية والعفوية، وترسم ابتسامة على وجه الشخص الذي وقع في فخ الكاميرا في وقت زمني لا يتعدى حدود الدقيقة، وفي لقطات يتمنى المشاهد أن يقع في فخها نظراً لدماثتها وعفويتها، لكن بالمقابل الكاميرا الخفية في الدول العربية، وخاصة في سورية لم تشبه الكاميرا الخفية آنفة الذكر لا من قريب ولا من بعيد، فبدلاً من عفوية اللقطة، وترك ابتسامة على الوجوه خرجت الكاميرا الخفية تحت عناوين ما أنزل الله بها من سلطان، دون أن يكون فيها أي شيء جديد يلامس هموم وشجون المواطن التواق لابتسامة هنا أو هناك، فبرامج الكاميرا الخفية التي تبث على بعض الشاشات العربية، ومنها شاشاتنا الوطنية جاءت تحت تسميات مختلفة (طوشة ولوشة، عيمشة طيمشة، مشيت عليك، الكاميرا بيع) وتسميات أخرى لا حصر لها، بات الهدف من إعدادها وبثها تجارياً بحتاً بغض النظر عن قيمتها الفكرية والثقافية، وما ستقدمه للمشاهد، متجاهلين أصحاب هذه البرامج أن المشاهدين يستطيعون التمييز بين الغث والسمين.
كل ذلك أدى إلى وقوع هذه البرامج في فخ الأفكار التقليدية المتكررة والمستهلكة، والمقالب المتشابهة، لا بل هناك مشاهد غير واضحة المعالم، وليس لها أهداف، والهدف من ورائها ملء الجيوب، وإن كان ذلك على حساب الذوق العام، ففي أحد البرامج التي بثت على شاشاتنا الوطنية منذ فترة قصيرة، لا نعرف ما الفائدة من تقمص أحد الشباب لأداء فقرة فنية غنائية أمام المطرب جان خليل والطلب منه تقييم صوت المغني، وبيان مدى صلاحيته للغناء، فالمغني لم يستطع تقمص الدور الموكل إليه، وانكشف أمره للتو بأنه ينفذ ما أسند إليه دون أن يضفي على المشهد شيئاً جديداً من روحه يقنع به على أقل تقدير المطرب الذي يستمع إليه، فتم اعتراضه على الغناء من قبل المطرب أكثر من مرة، وأكد له بهدوء بالغ أن صوته لا يصلح للغناء، وهنا تأتي الحبكة المرسومة للمشهد، حيث يدور حوار بين الاثنين الغرض منه إغاظة المطرب، واستفزازه أمام المشاهد، وبين اعتراض المطرب، ورفض المغني تعالت الأصوات، واحتد الحوار بين الطرفين، ونجح عناد المغني في انفعال الأخير الذي خرج عن طوره، وبدأ يتلفظ بكلمات لا تمت للفن بصلة، وما هي إلا لحظات قليلة، وخوفاً من تفاقم المشهد، وعدم القدرة على السيطرة عليه، والتلفظ بكلمات خادشة للحياء، قام منتج البرنامج بكشف السر للمطرب، مؤكداً له بأنه وقع في فخ الكاميرا الخفية بطريقة مجانية باتت مستهلكة لم تضحك سواه.
أيها السادة، مثل هذه البرامج التجارية لم تعد تفيد المشاهد بأي شيء، بل على العكس شكلت عبئاً ثقيلاً عليه، وبات يبحث عن برامج أخرى تقيه ضحالة هكذا برامج، فالكاميرا الخفية تعتبر وسيلة ترفيهية يراها ويتابعها المتلقي في آخر يومه المثقل بالهموم والشجون لترسم ابتسامة رقيقة يختتم بها نهاره، وللتخفيف من وطأة الحياة القاسية دون المساس بعقول وثقافات الناس.
مهند الحسني