اقتصادصحيفة البعث

بين التبخيس والتضخيم..!

 

 

يستوجب النهوض بالواقع الحالي لاقتصادنا التعاطي مع مقوماته وفقاً لخصوصيتها، وأن تكون مسألة التوازن هي الأساس في أية خطوة يتمّ اتخاذها تجاه هذا النهوض!.
بمعنى.. الابتعاد عن المغالاة، سواء لجهة تبخيس ما يمتلكه هذا الاقتصاد من مقومات، أم لجهة تضخيمه، لأنه في كلتا الحالتين لن يكون هناك تنمية ولا نهوض!.
إن مقومات اقتصادنا الرئيسية هي الزراعة بالدرجة الأولى، تليها التجارة ثم الصناعة، إضافة إلى السياحة والخدمات بما فيها الترانزيت، ووفقاً لمعادلة “التبخيس والتضخيم” آنفة الذكر، علينا عدم وضع العصي في عجلات التنمية الزراعية والاستكانة لما يواجه اقتصادنا من تحديات لها علاقة بتداعيات الأزمة، والتذرّع بصعوبة التوسع بالمشاريع الزراعية بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وتذبذب سعر الصرف وارتفاع مستوى التضخم!.
فالأجدى استثمار كل المقومات الزراعية من اليد العاملة المنتشرة في الأرياف، وكل شبر من الأراضي الزراعية الآمنة، وذلك من خلال التوسّع بمقومات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فلا ضير مثلاً أن يكون هناك مشروع لتوزيع عشرات الآلاف من غراس الأشجار المثمرة في محافظة دير الزور، أو توزيع ملايين من الدجاج البياض على قراها وقرى باقي المحافظات، علماً أن تكلفة مثل هذه المشاريع ليست كبيرة، بل تُعدّ متواضعة جداً مقارنة بغيرها!!.
بالتوازي مع ذلك لا بد من وضع خطة منهجية للمواءمة بين الزراعة والصناعة، على أن تكون لدينا مشاريع متخصّصة بالصناعات الغذائية الزراعية وفق منظومة عناقيد صناعية منتشرة على مساحة الجغرافيا السورية.
وعلينا في المقلب الآخر الحذر من تضخيم مقومات اقتصادنا، واللهاث وراء توطين صناعات لا تتواءم مع هذه المقومات –على الأقل في المرحلة الحالية-، كما هو حاصل حالياً من خلال “موضة” الانتشار غير المبرّر لما بات يُعرف بمصانع “تجميع السيارات”، ونعتقد في هذا السياق أن التوجّه لتطوير ورشات صناعة صابون الغار على سبيل المثال لا الحصر أجدى وأهم من تجميع السيارات، كون الأولى ذات منشأ وطني مئة بالمئة من جهة، ونستطيع المنافسة بها في الأسواق الخارجية من جهة ثانية.
خلاصة القول: علينا البحث عن المزايا النسبية التي نتمتّع وننافس بها، لا أن نبحث عن كيفية منافسة الآخرين بمنتجاتهم ونحن بالأساس غير قادرين على المنافسة بها، مثل الصناعات الثقيلة وصناعة الأدوات المنزلية ذات التقنية العالية، وتكنولوجيا المعلومات وغير ذلك من الصناعات التي تحتاج خبرة ومعرفة طويلة، في حين يمكننا المنافسة بالمنتجات والصناعات التحويلية التقليدية (النسيجية– الغذائية– القطنيات– الصناعات الحرفية.. الخ).
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com