ثقافةصحيفة البعث

استعادة

بشرى الحكيم

لم تجد شجرة الدر سلاحاً تنتقم بواسطته من غدر “أيبك” شريكها في المُلك والحياة سوى القبقاب؛ وجهت إلى رأسه الضربة الأولى وتركت لغلمانها وجواريها إنهاء المهمة.

القبقاب أيضاً كان الوسيلة التي لجأت إليها غريمتها “أم نور الدين المنصور” فأوكلت مهمة التخلص من “شجرة الدر” إلى الجواري والوصيفات، ليكون “المذكور” السلاح الذي عجّل بإسدال الستارة على حكم الملكة التي تبوأت عرش مصر لثمانية عشر عاماً بذكاء وقوة ودهاء إلى جانب جمالها الفائق.

وهكذا ذهبت الملكة “أم خليل المستعصمية” وقبقابها مثلاً تناقله الناس عبر السنين؛ استعاده الممثل أحمد بدير يوماً في واحدة من مسرحياته ليخرج عن النص المكتوب بعفوية وبلهجة صعيدية ويصرخ في وجه شريكته في العمل: “بالقُبقاب يا شجرة الدر” فيثير عاصفة من التصفيق والضحك على السواء.

ورغم أن ثقافة الأحذية والقباقيب بعيدة كل البعد عن كونها مفهوماً ووسيلة  حضارية إلا أنها الملجأ في لحظة ما ومكان ما، ومن يدٍ أعيتها الحيلة وانتزعت منها كل وسائل الدفاع الحضارية، وما أفقدها التعب القدرة على استنباط وسائلها الخاصة للحفاظ على كرامتها وجزءاً ولو كان يسيراً من الحق.

وبذا نستعيد نحن ما فعله الصحفي منتصر الزيدي في العام 2008 حين اختار رأس جورج بوش خلال مؤتمر صحفي في بغداد ؛ هدفاً لحذائه فلم يخطئ التسديد، وأصبح رمزاً وبطلاً في نظر الملايين.

وليس آخرها ما شهده قطاع غزة في أواخر الشهر الماضي ليكون مشهد المواطنين الغزاويين وهم يستخدمون أحذيتهم وسيلة لطرد سفير دولة لم يقف لا الحياء ولا الأخوة في طريقها، فتوظف أموالها وعلاقاتها لتمزيق وحدتهم في وجه عدوهم، وتشعل نار الفتنة والشقاق وتؤلب الأخ على أخيه، فما كان سوى الحذاء وسيلة إن لم تكن بذات القوة والفعل الذي يضاهي السلاح التقليدي؛ إلا أنه المرآة التي تعكس صورته الحقيقية.

عندما خلا العرش لشجرة الدر، استطاب لها الحال؛ نقشت اسمها على النقود، وعملت على توطيد حكمها وسيّرت “المحمل المصري” إلى الحجاز في عمليات تبادل تجاري وبضائع تطلب من بينها ثياباً مزركشة وأقراطاً ماسية وعدداً من القباقيب النادرة من خشب الصندل برائحته المميزة، هدايا لمرجانة وصيفتها الأثيرة، التي كانت تستزيد منها وتكنزها لغاية في نفسها فتستخدمها في النهاية في التخلص من شجرة الدر والقضاء عليها.

هكذا هي الأيام أيضاً لا تتوقف عن اجتراع الدروس تلو الدروس، أن اكنزوا أحذيتكن للقادم من الزمن.