ثقافةصحيفة البعث

محاور شاملة وغنية.. في ندوة “العربية والحرب على سورية”

 

طالت براثن الحرب على سورية كل تفاصيل الحياة وظهرت آثارها السلبية حتى على لغتنا ولكن سورية المتمسكة بعراقة لغة الضاد أبت أن تخلع ثوبها العربي الأصيل وأثبتت أنها كانت وستبقى معلمة الأبجدية وفقه العروبة، وقد أقامت مؤخراً اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية في مكتبة الأسد ندوة “العربية والحرب على سورية” برعاية وزير الثقافة، حيث أشار معاون الوزير علي المبيض إلى أن أولى أهداف الوزارة نشر الثقافة والمحافظة على الهوية الثقافية والحضارية لسورية، ويأتي في مقدمة عناصر الهوية اللغة العربية التي تعتبر حاضنة للثقافة وحامية لها، فقد كان للأزمة بالتأكيد انعكاسات وآثار سلبية على كافة القطاعات الاقتصادية والتنموية والمهنية والثقافية، وأيضاً طالت لغتنا العربية التي تعبر عن هويتنا ومن واجبنا جميعاً كمؤسسات رسمية وأفراد ومجتمع محلي الحفاظ على هذه الهوية التي تميزنا وخاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها سورية.

قضايا اللغة العربية
وتناول د. محمود السيد محور “من قضايا اللغة العربية في الأزمنة الراهنة” تحدث فيه عن دور سورية وتجربتها في التعريب، وتعد مثالا يحتذى من حيث أنها لغة القران وهوية الأمة وحاملة ثقافتها ومعبرة عن هويتها وذاتيتها الثقافية والحضارية، وقد تعرضت اللغة الأم إلى الكثير من التحديات والمعوقات إبان الحرب على سورية، وكانت على صعيدين داخلي وخارجي وفي هذا المجال قدم “السيد” إطلالة على بعض القضايا التي أثرت على اللغة على الصعيد القومي متمثلة أولاً بتوقف مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة، والمشروع الذي تقدمت به سورية إلى مؤتمر القمة العربية الذي عقد في دمشق ووافق عليه المؤتمر، لكنه توقف بسبب الحرب التي تعرضت لها سورية، وتوقفت اجتماعات رؤساء جمعيات حماية اللغة العربية في الوطن العربي، ومتابعة تنفيذ مشروع المعجم التاريخي للغة العربية الذي يهدف إلى التعريف التاريخي للكلمة عبر العصور وتغير مدلولاتها، وكذلك الضخ الإعلامي العربي المبرمج وأثره السلبي في سلامة اللغة العربية، وتجلى ذلك في عدة أمور منها اختيار الأسماء الأجنبية لهذه القنوات واعتماد اللهجات المغرقة في عاميتها، وتشويه المصطلحات وتزوير الحقائق حتى بات من يقاوم العدو الإسرائيلي يعد إرهابياً، وسمي من يدمر وطنه بيديه ثائراً ومجاهداً ومناضلاً، أيضاً الحؤول دون إدخال الموسوعة العربية إلى معارض الكتب العربية.
وتابع السيد عرض القضايا التي أثرت على اللغة والتي تجلت على الصعيد الداخلي في إيقاف عقد المؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية بسبب الأحداث، وتوقف اجتماع رؤساء لجان التمكين للغة العربية الفرعية في وزارة الإدارة المحلية، وخلخلة الانتماء، والتي تجلت في عدم صدور قانون حماية اللغة العربية حتى الآن، والسماح بإلقاء الشعر المحكي والزجل في المراكز الثقافية، إضافة لضعف الرقابة اللغوية على ما يجري في رياض الأطفال والمدارس، وجنوح الجامعات الخاصة إلى تدريس المقررات باللغة الأجنبية، واتساع دائرة التلوث اللغوي، من خلال اللافتات الإعلانية الموجودة بالشوارع.
صور من الحرب
أدار الجلسة الأولى من الندوة د.ثائر زين الدين حيث أشار إلى أنه منذ عام 2007 طرحت سورية مشروعاً ضخماً لتمكين اللغة العربية على أعلى المستويات، وشكلت لجنة عليا للاهتمام بذلك وكذلك لجان فرعية في الوزارات كافة وهذه الندوة تطرح موضوعاً جديداً وهاماً جداً عن تأثير الحرب على اللغة العربية بكل مكوناتها.
وتناول د.محمد رضوان الداية موضوع “صور من آثار الحرب على سورية” ركز فيه على حركة المعجم العربي في العصر الحديث والدخول الهائل لمفردات وعبارات ومصطلحات جديدة، أو إحياء مفردات لم تكن مستخدمة ولكنها أصبحت ملكة الساحة، فالأحداث التي نعيشها اليوم قاسية وشديدة لغةً وحضارةً وثقافةً وفكراً وشعوراً، وبيّن أن هناك ثلاثة حروب على سورية عسكرية وإعلامية ونفسية وجميعها أثرت بالحضور الهائل لمفردات (دبلوماسية، سياسة، عسكرية، ،حياتية، جغرافية وتاريخية وغيرها من المفردات) وأشار إلى أننا مخترقون، فنحن نسمع ونرى الفضائيات العالمية سواء رضينا أم لم نرض، لذلك علينا تصحيح تلك المفردات والعبارات، فهي جميعها بحاجة لأن تدرس ويعاد النظر فيها، إضافة إلى ظهور اشتقاقات وإضافات جديدة وصياغة لمفردات أجنبية، من هنا لابد من تشكيل لجنة تضم مختصين عسكريين وسياسيين وإعلاميين ولغويين ويكونوا جميعاً ممن يتقنون اللغة العربية إتقاناً عالياً، لأن هذه المفردات دخلت أيضاً في القصة القصيرة والشعر والمقالة والخاطرة والأحاديث المرتجلة.
ولفت الداية إلى ازدياد ظاهرة الاشتقاق من غير العربية التي لابد من إعادة النظر فيها أيضاً، فنحن بجاحة أن نقدم للقارئ لغة سليمة، ثم طرح سؤالاً غاية في الأهمية وهو ماذا قدمنا في الفترة الأخيرة للمعجم العربي من إضافات ومصطلحات تغطي قضايا علمية؟ وأكد أننا بحاجة لمعجم متحرك ومتطور، مع ضرورة أن تتحرك القضية اللغوية على مستوى المصطلحات والتخصصات المختلفة لتكون لغتنا العربية قوية وسليمة ومعاصرة، وضرورة تقديم مفردات مناسبة في هذه الفترة، مع عدم ترك المفردات تنتشر وتصبح خطأ شائعاً ونضطر أن نقبله.

مفردات جديدة
وأشارت د.منيرة فاعور في موضوعها حول “لغتنا العربية في زمن الحرب” إلى أن قدر هذه المنطقة أن تحيا على مرجل ساخن منذ الأزل فهي بلاد حباها الله بثروات هائلة وموقع استراتيجي مهم، لذا كانت محط أطماع الشرق والغرب، وتعاقب عليها الطامعون ودارت على أرضها حروب، وهذا ما تعيشه سورية في هذه الأيام، فمن منا لم يذق طعم الحرب ولم يكتو بنيرانها، والحرب لم تقف عند البشر والحجر بل تجاوزت ذلك إلى السعي لتدمير الثقافات، لأن الغاية هي تدمير تاريخ وطننا والإطاحة بلغته واستبدالها بلغات أخرى دخيلة، وقد تبدى ذلك في أمور مختلفة حيث أًصبح الاهتمام باللغة شأنا ثانوياً إن لم يكن معدوماً في ظل السعي وراء لقمة العيش، بالإضافة إلى التقليل من النفقات على الطباعة والنشر وإقامة المؤتمرات المحلية والدولية.
ثم تطرقت فاعور إلى أثر الحرب على الألفاظ فقالت: ظهرت عبارات جديدة بدلالات جديدة منها (سقف الوطن، تسوية وضع، معارضة وطنية، مؤامرة خارجية، قوارب الموت، مناطق ساخنة) كما جاءت الحرب بمفردات إلى لغتنا اليومية، وهي موجودة في معاجمنا والأكثر شيوعاً وانتشاراً على ألسنة الناس الخاصة منهم والعامة مثل (حاجز، نازح، مفقود، احتياط، تمشيط، قذيفة، الرماديون، مندسون) وظهور كلمات بدلالات مخزية (تعفيش وتنحيس) أيضاً تشويه الدلالات النبيلة لبعض الكلمات العريقة مثل الأصولية والجهاد، وشيوع بعض التراكيب اللغوية النبيلة منها (تصبحون على وطن، ارتقى شهيداً) وهذه الألفاظ أصبحت زاداً سورياً يومياً، كما انتشرت مفردات الحرب وموضوعاتها ليس فقط في السياسة بل في الثقافة فأًصبحنا نقرأ (القصة والحرب،الشعر والحرب، والفن والحرب) ولفتت إلى الآثار السلبية للحرب فيما يخص اللغة، حيث زاد استخدام العامية وكذلك الكتابة بحروف لاتينية.

لغة الإعلام
وأدار الجلسة الثانية د. محمد قاسم وبدأت بموضوع “انعكاس الحرب في لغة الإعلام” للإعلامي محمود الجمعات جاء فيه: تعتبر اللغة من أهم مقومات الهوية فمن دونها لا يمكن أن نحسن التعبير عن شيء، لا عن مكنوناتنا ولا عن أصالة حضارتنا، ويجد الجمعات أن اللغة تواجه تحديات جمة منها الدعوات الحثيثة إلى استخدام اللهجات المحكية بدلاً عن العربية الفصحى وخاصة في الإعلام، وما انتشار هذه القنوات الكثيرة إلا دليل على ذلك، كما إن الحرب على سورية أثرت على الإعلام المسموع والمقروء ومن هذه الآثار السلبية التي يراها الباحث أن “الأحداث اليومية المريرة فرضت على الإعلام كلمات ما كنا نستخدمها كثيراُ مترافقة بصورة عن الدخان وبقع الدماء، وغياب عذوبة لغتنا عن وسائط الإعلام فما عدنا نسمع عن جمال الطبيعة وموسيقا الطيور وشاعرية السهرات تحت ضوء القمر، كل هذا غاب وحل مكانه شعر ينعي الشهداء ويبكى الأمهات الثكالى وغيرها الكثير من الصور السلبية التي أضحت أسلوب لغة الإعلام تحت تأثير الحرب الجائرة”، أما عن الجانب الإيجابي فتحدث الجمعات :” نرى أموراً كانت تطرح إعلامياً بالمناسبات فقط أما اليوم أضحت تردد في كل مكان على ألسنة الإذاعيين وأقلام الصحفيين كالتغني ببطولات قواتنا المسلحة واللحمة الوطنية التي اتصف بها أبناء سورية ورفض الخونة والخيانة، والإكثار من الحديث عن الصمود والثبات حتى تحقيق طموحات أبناء هذا الشعب في النصر على الإرهاب وصانعيه وداعميه وإعادة بلدنا إلى موقعه الحضاري والريادي عربياً وعالمياً”.

مناهج تربوية
وكان ختام الندوة مع مداخلة “انعكاس الحرب في لغة المناهج التربوية” التي قدمها د.معتز علواني فأشار إلى أن المجتمع العربي ولاسيما السوري بحاجة للغة خطاب جديدة تعيد للعقل حيويته وحركته لبناء منظومة تحليل قائم على التفكير المنطقي ولاسيما أن التنمية اللغوية هي أساس التنمية الفكرية، واللغة الأم هي الهوية وأساس الانتماء، ومن أولويات التربية هي النهوض بالمجتمع وتنمية الأبناء فكرياً وثقافياً، ولعل اللغة هي المؤشر الأكثر وضوحاً للتنمية، لذا يجب الاهتمام بغرس القيم الإيجابية وجعلها منطلقاً من منطلقات التربية، وأضاف: من هنا حرصت المناهج المطورة للغة العربية على اختيار موضوعات تغرس الهوية والمواطنة والانتماء في مناهج الصفوف كافة ولكل المراحل، بالإضافة إلى المحور الرديف وهو “اللغة العربية وتحديات العصر” والابتعاد عن القيم السلبية والعنف والتركيز على موضوعات التسامح والتعاون والعمل وتعزيز القيم الإيجابية وقبول الآخر والتفكير النقدي، كما عرضت المناهج المتطورة عدداً من المشكلات لتزويد المتعلم بمهارات حياتية وربطت اللغة مع الحياة، وختم د. علواني بالقول: إن تغيير لغة الخطاب في المناهج التربوية تبلور تبلوراً واضحاً حتى في الأنشطة، وهو تغيير مقصود لزرع القيم لأن المناهج المتطورة تطمح لتنمية التفكير الإبداعي وبناء العقول.

لوردا فوزي- علا أحمد