فوز كاسح لـ بوتين في انتخابات الرئاسة الروسية
رغم المحاولات الأمريكية والغربية للتشويش على سير الانتخابات الرئاسية 2018، والتأثير في الوضع السياسي في روسيا، شارك المواطنون الروس، في داخل روسيا وخارجها، بكثافة في الانتخابات. ثقة ملايين الناخبين بالرئيس فلاديمير بوتين، وبالإنجازات التي حقّقها منذ توليه سدة الرئاسة في عام 2000، دفعتهم لمنحه أصواتهم، ليتقدّم بفارق كبير على منافسيه السبعة، الأمر الذي سيعطيه تفويضاً جديداً لست سنوات قادمة لمواصلة نهجه السياسي الراهن.
الرئيس بوتين، والذي حقّق فوزاً كاسحاً في الانتخابات، وجّه الشكر لجميع ناخبيه، داعياً إلى ضرورة الحفاظ على وحدة روسيا، وقال، في كلمة ألقاها خلال تجمّع كبير خاص أقيم، أمس، وسط موسكو بمناسبة ذكرى انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، “أود أن أوجّه إلى كل من اجتمع اليوم هنا في موسكو ولجميع أنصارنا على أراضي بلادنا الكبيرة برمتها، شكراً جزيلا لكم على هذه النتيجة”، وأضاف: “أرى في ذلك تقديراً لما أنجز خلال السنوات الأخيرة في ظروف صعبة جداً، أرى ثقة الناس بنا وأملهم في أن نعمل بمثل هذه الدرجة من المسؤولية لتحقيق نتائج أكبر”، وشدد على “الأهمية البالغة للحفاظ على الوحدة” والحصول على دعم هؤلاء الناخبين، الذين صوّتوا لصالح المرشحين الآخرين، قائلاً: “إننا في حاجة إلى هذه الوحدة من أجل تحقيق تقدّم لاحق”.
وأكد الرئيس بوتين ضرورة أن تعمل جميع القوى السياسة في روسيا بناء على مصالحها القومية، فيما أشار إلى أنه لا يفكر حالياً في إجراء أي إصلاحات دستورية، وأضاف، في تصريحات أدلى بها من مقر حملته الانتخابية، “من الضروري جداً توحيد جهود جميع الناس، بغض النظر عن نوع المرشّح الذي صوّتوا لصالحه، لأننا نواجه مهاماً معقدة وصعبة للغاية، ونحن لا نحتاج فقط إلى حلها كالعادة وفق النظام الحالي، وإنما أيضاً إلى تحقيق اختراقات وقفزات نوعية في إنجاز هذه المهام”، وتابع: “لقد تحدّثت عن ذلك في رسالتي إلى الجمعية البرلمانية، نحن نحتاج إلى اختراق إلى اندفاعة للأمام، نحتاج إلى تنفيذ المهمات على نحو مختلف، من الممكن تحقيق ذلك. لدينا كل الأسباب للتفكير في ذلك وتحقيق مثل هذه النتيجة”.
وفي تعليقه على خطواته السياسية المقبلة، أشار بوتين، رداً على أسئلة صحفيين، إلى أنه لا يفكر حالياً في إجراء أي إصلاحات دستورية، فيما أكد أن جميع التغييرات في مكتب الوزراء ومؤسسات الدولة الأخرى ستحدث بعد الإعلان رسمياً عن الفائز في الانتخابات وأدائه اليمين الدستورية.
وكانت النتائج الأولية لفرز الأصوات في الانتخابات أظهرت حصول الرئيس بوتين على 75.91% من الأصوات، بعد فرز 71% من الأوراق الانتخابية، وحصل بافيل غرودينين مرشّح عن “الحزب الشيوعي الروسي” على 12.59%، فيما حصل فلاديمير جيرينوفسكي مرشّح عن “الحزب الليبيرالي الديمقراطي الروسي على 6.18%، وكسينيا سوبتشاك حصلت على 1.48%.
ملايين الناخبين الروس، الذين أعادوا انتخاب بوتين لولاية رئاسية جديدة، أرادوا إيصال رسالة بأنه “دون بوتين ليس هناك روسيا قوية”، إذ أعاد بوتين إلى مواطنيه الشعور بالعظمة التي فقدوها بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، وأعاد أيضاً لروسيا مكانتها على الساحة الدولية، دولة عظمى أنهت سياسة القطب الواحد، الذي استفردت به الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي وتحكّمت من خلاله بمصائر دول وشعوب عبر قيامها بدور الشرطي العالمي.
وكانت صور وفيديوهات من عواصم مختلفة حول العالم، أظهرت إقبالاً شديداً من الناخبين الروس على التصويت في الانتخابات، في مراكز الاقتراع المفتوحة في الممثليات الروسية في الخارج، فقد نشر ناشطون وإعلاميون في مواقع التواصل الاجتماعي مواد مرئية لطوابير من المصوّتين الروس، وهم ينتظرون دورهم أمام السفارات والقنصليات الروسية في بلدان المغترب.
وبنظرة سريعة لما استطاعت روسيا الاتحادية إنجازه في عهد الرئيس بوتين منذ عام 2000، نجد أن الاتحاد الروسي استطاع النهوض الاقتصادي الداخلي في شتى المجالات. فقد أخرج بوتين البلاد من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة التي هزّتها في تسعينيات القرن الماضي، وذلك عن طريق إطلاقه سلسلة إصلاحات إدارية وقضائية واقتصادية واجتماعية، كما كانت إحدى أولوياته استعادة قوة الجيش الروسي، بغية رفع القدرات الدفاعية للبلاد، الأمر الذي عزّز ثقة الشعب الروسي بإدارته على مدى سنوات وجوده في الكرملين.
ويرى مراقبون أن نهج بوتين الهادف إلى ضمان أمن الدولة، وتهيئة الظروف الخارجية الملائمة لتطوّر روسيا، مع التأكيد على عالم متعدّد الاقطاب، واستعادة شبه جزيرة القرم، والدخول إلى جانب سورية في الحرب ضد الإرهاب، والتي أثمرت انتصارات جمة ضد تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية، التي لا تستهدف أمن سورية والمنطقة فقط بل العالم أيضاً، ومن ثمّ استعادة الدور الدولي لروسيا عبر تعديل التوازنات في السياسة العالمية، وتوسيع علاقات روسيا مع معظم دول العالم، ومد اليد للتعاون معها في حل المشكلات الدولية، كلها انجازات دفعت بالشعب الروسي الى التصويت بـ “نعم” للرئيس بوتين.
إلى ذلك، قالت رئيسة اللجنة الوطنية للانتخابات الروسية، إيلا بامفيلوفا، إن نسبة الحضور للتصويت بلغت 60%، وأكدت أن انتخابات الرئاسة الروسية لم تشهد انتهاكات جسيمة، معبّرة عن رضاها عن سير العملية الانتخابية.
وفي هذا السياق، واكب الانتخابات الرئاسية الحالية 1500 مراقب من خارج البلاد، بمن فيهم وفد من مجلس الشعب السوري، تلبية لدعوة من البرلمان الروسي، والذي زار عدداً من المراكز الانتخابية في العاصمة موسكو وضواحيها، وقال حسيب طحان رئيس الوفد: “زرنا عدّة مراكز انتخابية، وشاهدنا المواطنين الروس يتوافدون بإقبال شديد، وقاموا بالإدلاء بأصواتهم بشكل حر وديمقراطي دون أي تدخلات جانبية”، فيما قال عضو الوفد شحادة أبو حامد: “من خلال وجودنا في أحد مراكز الاقتراع شهدنا إقبالاً ملحوظاً من الناخبين الروس على صناديق الاقتراع دون أي تسييس أو ضغوط سياسية”، متمنياً للشعب الروسي النجاح والتوفيق في اختياره.
وأكد عضو الوفد موسى الابراهيم أن العملية الانتخابية سارت بشكل جيد، ومارس خلالها المواطنون حقهم الانتخابي بشكل حر وديمقراطي، ودون ممارسة أي ضغط لصالح أي مرشح، فيما قالت عضو الوفد رنا سليمان: “هناك تنظيم لافت للعملية الانتخابية”، متمنية لروسيا السعادة والازدهار.
إلى ذلك رحب المرشّح للانتخابات الرئاسية الروسية سيرغي بابورين بأعضاء الوفد، وقال: “إنني سعيد جداً بأن أصدقاءنا السوريين أرسلوا وفدا لمواكبة انتخاباتنا، وأريد أن أؤكد لكم أن الأغلبية العظمى من المرشحين لمنصب الرئاسة الروسية يقفون إلى جانب سورية في نضالها من أجل الحفاظ على استقلالها، وهذا الموقف سيبقى ثابتاً بعد الانتخابات دون تغيير”.
وأكد عدد من الناخبين الروس أنهم صوّتوا لصالح بوتين لأنهم يرون فيه الرجل القادر على قيادة روسيا بجدارة خلال الفترة القادمة، وقالوا: روسيا بحاجة إليه كما الجميع بحاجة إليه من أجل السلام في العالم، موضحين أنه أنقذ روسيا ونهض بالاقتصاد الروسي وقدّم المساعدة الأخوية لسورية في مواجهة الإرهاب.