ثقافةصحيفة البعث

أساليب متنوعة ورؤى جديدة في احتفالية يوم الشعر

 

“الحبّ يحتلنا شئنا أم أبينا” هذه المفردات الجميلة قالتها الشاعرة طهران صارم في مهرجان الشعر العربي الذي أقامته وزارة الثقافة لمناسبة اليوم العالمي للشعر في مكتبة الأسد بإدارة الإعلامي والشاعر علي الدندح وبمشاركة واسعة من الشعراء من مناطق مختلفة، فتنوعت الأساليب الشعرية بين العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر، وحفلت القصائد بمؤثرات فنية تنبض بعناصر الحوار والحكائية والمشهد الدرامي واسترجاع الصور، وكانت الوجدانيات القاسم المشترك بين القصائد لتتقاطع مع صور الحرب السورية وأم الشهيد ورمزية المكان.

والأمر اللافت الرموز الصوفية وأسلوب التورية والاحتفاء بالشاعر بحدّ ذاته، فجاء المهرجان أشبه بلوحة تشكيلية ملونة تناغمت مع تقاسيم العود التي رافقت الشعراء كلحن مرافق للعازفة تالة سليم سلام.
وافتتح الشاعر علي الدندح المهرجان بقوله إن اليوم العالمي للشعر دعم للتنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري والحفاظ على اللغة، وتعزيز دور الشعر وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى، ورسم صورة الشعر في وسائل الإعلام، ليصل إلى أن الشعر لم يلغَ يوماً وكان موضع اهتمام الشعوب وسيبقى نداء الحياة.
تحية إلى الشعر والشاعر
“هو الشعر زائري هذا المساء/يا أيها العشق النبيل/تمرّ من بوابة الوقت/تصاحب الدهشة”
وحيّت الشاعرة طهران صارم الشعر والشاعر بحدّ ذاته لتمضي من خلال قصيدة النثر إلى البوح بومضات وجدانية تعيشها الأنثى محمّلة بعبق الياسمين وعطر البنفسج والعشب البري، وفي قصيدة “على حجر الرصيف” اعتمدت في خطابها الشعري على أساليب فعل الأمر في بعث روح القوة داخل الأنثى”قال احفري” لاتستعجلي غدك” لتقفل القصيدة باللاءات، وجاءت قصيدة عتاب أكثر رومانسية وحزناً في تصويرها الحنين والانتظار بجمال الصور.

دمشق القديمة في القصيدة
وتقاطع الشاعر محمد علي الخضور مع الشاعرة صارم في وصفه الشاعر من جانب ما “تعثر بالأفلاك/ مذ صار قلبه مداراً لأهل العشق” فوصفه بالنبي بالساحر بالمجنون بالوحيد بالتقي بالشقي بالطفل.
وخصّ دمشق القديمة بقصيدة “الزقاق الدمشقي” تغنى فيها بمعالم الأزقة بنراجيل القهوة بسوق الصاغة بالنوافير بالعطر، ليدمج بتناغم بين جزئيات المكان والأنثى وجمالية ضوء القمر، والكثير من الصور التي تسرب من خلالها الشاعر ليصل إلى المرامي البعيدة لدمشق القديمة مدينة التعايش والتلاحم.
“في آخر الليل والحبّ/تنمو التواريخ مثل الطحالب/في المشربيات/بلكنة الفتيات الجميلات/في حجر نابض في الوريد/يضخ دم الذكريات”
وأبحر الشاعر سامر كحل بذاتية الإنسان بعوالمه الوجدانية وتأثره بانكسارات المحيط بشكل غير مباشر، بما يشبه الدراما الحكائية وبالمحاكاة الذاتية التي أغنت فنية القصيدة وزادت من تأثيرها على المتلقي.
فقرأ قصائد عدة من مجموعته الشعرية ما يقلق الريح” بعنوان تحت دلف الروح”
كالماء/تهرب من يدي الأشياء/معلنة خصامي/لازهرة في الأفق/ترفع لي سماء رؤى/لأصعد سلّم الكلمات/حين يضيئني نبض القصيدة/أو يرفرف بي”.

تقاطعات فلسفية
واتسمت قصائد الشاعر عصام التكروري بإقحام مفردات مستمدة من روح القانون بتقاطعات بين فلسفة القانون وفلسفة القصيدة، متطرقاً إلى المعارك في الحرب السورية بقصيدة “نورس أبيض في سماء رمادية ” لتعبّر عن الخراب الجاري موظّفاً أدوات الشعر ومنها الامتداد الزمني
“عندما تنتهي الحرب/سأقدم لك كوباً من الكابتشينو الأنيق/سأحدثك عن قهوة الجند الموحلة/تلك التي يحتسونها في الفاصل ما بين قصفين جهنميين” ليختزل في قصيدته “سوري فرينيا” كل ما واجهه السوري في هذه الحرب الهمجية.
“إنه السوري/ذاك/الصامت عن وجع/الراضي بنذالة ذوي القربى/على نظرة عطف في عين الغريب/الابن الشرعي لسبعة آلاف عام/من تلاقح الدم بالياسمين”
وخصّ الشاعر رضوان السح الشعر أيضاً بإحدى قصائده القصيرة التي اتخذت أسلوب المتصل- المنفصل بتراتبية صور عدة.
“قال الجاهلي أريد الخلود/قال الدهر: ما من خلود/قال الجاهلي: أريد حلاً/قال الدهر: خذ الشعر بديلاً”.

ومضات واخزة
ودمجت مشاركة الشاعر الفلسطيني الكبير صالح هواري بين فلسطين وسورية مخاطباً دمشق التي لايستطيع أن يبتعد عنها لأنها أصبحت وطنه الثاني بعد فلسطين” متطرقاً إلى الأزمة التي تعرضت لها
“الشام قلعة مجدنا/غير أن رغيف الوطن/ليس لها وإن الملح فيها/لايخون/لايخون”

القذيفة هاجساً
مشاركة الشاعر أمير سماوي كانت عن الوطن بعد أن تزامن موعد المهرجان مع سقوط قذيفة قرب منزله فلم يقرأ من قصائد الحبّ ليجسد قذائف الحقد في مدينة التآخي بقصيدة صرخة أخرى:
“أشفق عليّ/وقم لترأف بانهيار/عمّ في وطن التآخي/فاستحال لظى لرؤيا/كنتَ قد أضفيتها عشقاً جلياً”.

الحكاية الشعبية
واعتمد الشاعر الفراتي عبد الناصر الحمد على الأقصوصة الشعرية في قصيدة فصيحة بعنوان “سحر ليلة شتوية” تضمنت روح الحكاية الشعبية عن جنيات الفرات اللواتي يخطفن الرجل ويغصن إلى القاع ويموت ولكن الشاعر كما تخيل ذاته نجا من الموت، فكان عنصر الحوار هو المحور الأساسي للقصيدة.
“ضمني موج وأسلمني/إليهن/دنون مني وقلن/اخضع لرغبتنا/حتى يطلع الشفق”
كما ألقى قصيدة من الشعر المحكي عن ذكرياته مع أمه إهداء إلى أمه وإلى الأم السورية أعظم الأمهات.

ملده شويكاني