اقتصادصحيفة البعث

قوته بالانتشار الجغرافي لمؤسساته ضعف القطـــاع النقـــدي يكمــن باعتمــاده الكبيــر علــى النقــود فــي التــداول

خلصت السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار في سورية لدى تحليلها للواقع العام للقطاع النقدي إلى أنه في الوقت الذي يتمتع به هذا القطاع من نقاط القوة، تتمثل بدخول القطاع الخاص إلى مجال العمل المصرفي، وزيادة مساهمة القطاع المصرفي بشقيه العام والخاص في تمويل عملية التنمية، وتفعيل السياسة النقدية، وإعطاء السلطة النقدية دوراً أكبر، وانتشار جغرافي جيد لمؤسسات هذا القطاع، والتخفيف من القيود على حركة رؤوس الأموال، يعاني هذا القطاع من نقاط ضعف أبرزها استمرار الاعتماد الكبير على النقود في التداول السلعي والخدمي والتعامل بين الأفراد والمنشآت، وتدخل السلطات التنفيذية في عمل المصرف المركزي؛ مما يحد من استقلاليته، إضافة إلى ضعف التنوع في المؤسسات المصرفية وقصور منتجاتها، وضعف التمويل الاستثماري المتوسط وطويل الأجل، إلى جانب تزايد حجم القروض المتعثرة خلال الأزمة، وكذلك ضعف الحوكمة ولاسيما في المصارف العامة.

بالصميم

وفي هذا السياق عد مصدر مطلع في الشأن النقدي أن هذه السياسة أصابت الصميم لدى تناولها لنقاط ضعف القطاع النقدي وتحديداً لجهة الاعتماد الكبير على النقود في التداول، مشيراً إلى أن أولويات العمل في هذا المجال تقتضي استئصال ثقافة “الكاش” من خلال إقناع المتعاملين بالنقد بنظام الدفع الإلكتروني الذي يعمل مصرف سورية المركزي على الاعتماد عليه مستقبلاً، وتشجيعهم على إيداع مدخراتهم في المصارف. مبيناً أن المصرف المركزي طور أدوات الدفع عبر تسريع تطوير نظام التسويات الإجمالية السوري RTGS، والتقاص الإلكتروني لتقليص تداول الأوراق النقدية، وخفض عوامل التلاعب بسعر الصرف والقيام بالمضاربات، إذ يسمح هذا النظام الذي شاركت به جميع المصارف الخاصة بالتحويل السريع للأموال بين المصارف، وتشجيع الإيداع، وتحكم أفضل بالسيولة ورسم سياسات أكثر دقة وفعالية.

فرص

وبالعودة إلى السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار التي أطلقتها الهيئة العليا للبحث العلمي مؤخراً، فقد أشارت إلى أن هناك عدداً من الفرص الكفيلة بتعزيز هذا القطاع، منها الحاجة إلى دور فعال للمصارف وشركات التأمين والخدمات المالية في تمويل إعادة الإعمار، وإمكانية تطوير المؤسسات المالية القائمة، وإحداث مؤسسات مالية متنوعة جديدة، والحاجة لسوق مالية متطورة، تفعل تداول السندات بالإضافة إلى الأسهم، مع إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، والاهتمام والدعم الحكومي للقطاع المصرفي. لكن هذه الفرص محفوفة بجملة من المخاطر، منها استمرار الأزمة فترة طويلة، وتزايد المخاطر الائتمانية والتشغيلية، وزيادة القروض المتعثرة وعدم معالجتها، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، وتدني القوة الشرائية لليرة السورية.

مقترحات

واقترحت السياسة جملة من المحاور والمقترحات العلمية البحثية لتطوير القطاع النقدي، يتصدرها دراسة تدعيم استقلالية السلطة النقدية، وكذلك تدعيم الحوكمة في الجهاز المصرفي، بالتوازي مع دراسة تحسين أساليب إشراف المصرف المركزي على المصارف الخاصة والعامة. وإعادة هيكلة المصارف الحكومية كمصارف شاملة، تتعامل بكافة المنتجات المصرفية. مع البحث في تحويل المصارف العامة إلى شركات مساهمة تمتلكها الدولة، وتدرج أسهمها في سوق الأوراق المالية. ودراسة تفعيل دور المعاهد والمراكز المتخصصة في التدريب المصرفي والتأميني. إلى جانب دراسة مقترح إيجاد غرفة تقاص بالقطع الأجنبي لدى مصرف سورية المركزي.

وفيما يتعلق بتحديث ومعالجة نظام القروض والودائع اقترحت السياسة دراسة معالجة القروض المتعثرة، ودور مصرف سورية المركزي في هذه المعالجة. وكذلك دراسة حقوق المقرض والمقترض القانونية، وكيفية جذب المدخرات المحلية والدولية للإيداع في المصارف السورية. بالتوازي مع دراسة شروط إعادة الجدولة للقروض الممنوحة للفعاليات الاقتصادية، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية كل قطاع من القطاعات الاقتصادية، وملامح المرحلة التالية.

أما تطوير العمل المصرفي الاستثماري فيتطلب – بحسب السياسة – دراسة آلية لإنشاء سوق السندات، وسبل تشجيع المصارف على التمويل الاستثماري، ودور المصرف المركزي في ذلك. وكذلك دراسة سبل تحسين البيئة الاستثمارية لزيادة الطلب على التمويل المصرفي. والبحث في تعديل نظام المصارف بما يسمح لها بالمشاركة والاستثمار في المشاريع الاقتصادية، بما يسهم في تأمين السيولة اللازمة لتمويل إعادة الإعمار. ودراسة إمكانية إحداث مصارف استثمارية في سورية، عامة أو خاصة أو مشتركة.

ربط

ويستوجب تحسين وتطوير السياسة النقدية – وفقاً للسياسة – دراسة الربط بين معدلات الفائدة والتضخم، وأثر ذلك على الاستثمار. ودور القطاع المصرفي والتأميني في عملية إعادة الإعمار. ودر اسة بدائل نظام الصرف الملائمة لما بعد الأزمة، وأولويات المنتجات المصرفية والمالية المطلوبة في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها. وتقييم السياسة النقدية خلال الأزمة، واقتراح السياسات لما بعد الأزمة. وآليات التنسيق بين السياستين النقدية و المالية. ودراسة حول توسيع أدوات السياسة النقدية، ودور كل من السياستين المالية والنقدية في تحقيق النمو والعدالة الاجتماعية، واستقرار المستوى العام للأسعار.

أدوات

وبينت السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار أن السياسة النقدية في سورية تهدف إلى تحقيق استقرار المستوى العام للأسعار المحلية، والحفاظ على استقرار النظام النقدي والمصرفي، كما تعتمد السياسة النقدية التي ينتهجها مصرف سورية المركزي  على أدوات السياسة النقدية المباشرة بشكل أساسي، ومن أهمّها ضوابط أسعار الفائدة على الودائع بالليرة السورية، والتعليمات الصادرة عنه فيما يخص الائتمان المصرفي والسيولة لدى المصارف. هذا ويسعى مصرف سورية المركزي لتطوير عمله وصولاً إلى تفعيل كل أدوات السياسة النقدية غير المباشرة، إلى جانب استخدام أداة الاحتياطي الإلزامي، وتوفير البيئة اللازمة لقيامه بعمليات السوق المفتوح، وإصدار شهادات الإيداع، والأوراق المالية الحكومية بوصفه وكيلاً للحكومة، وتقديم تسهيلات الإقراض وتسهيلات الإيداع للمؤسسات التي تقبل الودائع، لكنّ الأزمة فرضت العديد من التحديات أمام السياسة النقدية؛ مما حدا مصرف سورية المركزي على الانتقال بشكل كلي من اتباع السياسات الثابتة والمعلنة، إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات بما يتلاءم مع التطورات التي تفرضها الأزمة.

ح. النابلسي