الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الواضحات البيّنات..؟!

محمد راتب الحلاق
يقولون في المنطق: إن المعروف لا يعرّف، وإن البديهيات لا يبرهن عليها، لشدة وضوحها بذاتها، لأن البرهان يكون بالواضح على الغامض، وبالمعلوم على المجهول، وإن المرء ليحار في أمر بعض القضايا العربية الراهنة، فهي أشد وضوحاً من الشمس في رابعة النهار (كما يقولون)، فالموقف من العدوان الأميركي المستمر على العرب، ولاسيما العدوان الأخير على سورية، لا يجوز الاختلاف حول الموقف منه، ومع ذلك يطلع علينا من يشكك، ومن ينظّر، ومن “يتفذلك”، بل ومن يبرر؟!.
ومما يدخل في باب الواضحات البيّنات الذي جاء في عنوان هذه الزاوية سذاجة من يظن أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولاسيما الإدارة الحالية برئاسة ترامب، ستكون أصدق من الإدارات السابقة في مساعدة الشعوب، ولاسيما العرب، في الحصول على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟! وأنها ستحميهم من ظلم ذوي قرباهم (حسب ظن بعض الواهمين)، وسبب هذه السذاجة أن ترامب وإدارته ليس جمعية خيرية لتوزيع المكرمات على الشعوب، ولاسيما مكرمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس أقل عداء للعرب ومصالحهم، ولا اقل حرصاً على المصالح الإمبريالية الأميركية من الإدارات السابقة، إن لم يكن أكثر منها عتواً وبلطجة، رغم الادعاءات الطويلة العريضة بغير ذلك.
وجردة حساب بسيطة تؤكد أن حصول الشعوب على حقوقها وحريتها، وإتاحة الفرصة أمامها لإدارة شؤونها على أسس وطنية وديمقراطية حقيقية، ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، ففي كل مرة أُتيح للشعوب قدر مناسب من الحرية في ممارسة بعض شؤونها كانت تقف بصورة تلقائية في وجه المخططات الأميركية ووكلائها المحليين، بسبب السياسات الأميركية الخاطئة والظالمة، التي لا تحسب حساباً لحقوق الشعوب وكرامتها؛ ولا يبدو أن إدارة ترامب ستقلب هذه السياسات رأساً على عقب، بل إنها ستعمقها وتذهب بها إلى المدى الأقصى من العداء لكل ما هو عربي، ولاسيما فيما يتعلق بانحياز الولايات المتحدة الأميركية انحيازاً أعمى للمشروع الصهيوني العنصري، وبالتالي محاربة كل من يقاوم أو يقف في وجه هذا المشروع، والإجراء الذي أقدم عليه ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس يؤكد ما أذهب إليه.
ومما يدخل في باب الواضحات البيّنات أنه لو كان أمر الجماهير العربية بيدها لما تجرأ أي نظام على تسمية التطبيع مع عدو عنصري همجي بالاعتدال والواقعية السياسية، هذا العدو الذي تقوم عقائده وقيمه على القتل، بل على الإسراف في قتل الأغيار، الذين لا يستحقون الرحمة ولا الشفقة.
ومما يدخل في باب الواضحات البينات تهافت ثقافة الانعزال والتجزئة التي يروجها بعض المستفيدين من (سايكس/ بيكو) وشبيهاتها. وعلى الراتعين في الرخاء الزائف، في مناطق المازوت وزيت الكاز، أن يعلموا أن ما هم فيه من نعيم إلى زوال قريب، ماداموا يبددون الثروات بهذا الشكل العبثي، وما داموا يشترون حمايتهم بالأموال التي كان من الواجب أن تنفق في سبيل نهضة عربية تشمل كافة الأقطار، بدل اعتمادهم على الغرباء، وما لم تتم الاستفادة من العائدات الضخمة في مشاريع استثمارية تؤمّن لهم مستقبلهم، ويستفيد منها العرب جميعاً في شتى أقطارهم، قبل أن يأتي يوم لا تغني فيه عنهم قصورهم ولا أموالهم شيئاً من غضب الجماهير العربية التي أمعنوا في حرمانها، والاستهتار بحقوقها. أما مقلدوهم من الفاسدين والمفسدين في الأقطار الأخرى، والذين يهرّبون الأموال التي اقتطعوها من قوت الشعب إلى بنوك دول الشمال، فحسابهم أشد وأعسر، ولآت ساعة مندم!.
ratebalhallak4@gmail.com