انحطاط وتطرف وسائل الإعلام الغربية
ترجمة هيفاء علي
عن انفيستيج اكشن 14/4/2018
فقد الغرب صوابه، ثم فقد السيطرة على عقول المليارات من الناس في كل أصقاع الأرض، صرخ صرخةً عدائية وتراجع، لم يعد يُخفي نواياه الواضحة: تدمير كل معارضيه الموجودين في روسيا، الصين وإيران، أو في دول أخرى وطنية ومستقلة، إسكات كل وسائل الإعلام التي تقول الحقيقة: ليس الحقيقة التي عرّفتها لندن، واشنطن، باريس، أو برلين، وإنما الحقيقة التي تراها موسكو، طهران، بكين، أو كاراكاس: الحقيقة التي تخدم الشعوب بكل بساطة، وليس الخطأ والحقيقة المزيفة المسبقة الصنع للحفاظ على تفوق الإمبراطورية الغربية. واشنطن ولندن دفعتا مبالغ هائلة ثمناً لهذا الهجوم البروباغندي القاتل، ملايين الليرات الفرنسية والدولارات أُنفقت رسمياً بهدف “معارضة” أصوات الروس، الصينيين، العرب السوريين، الإيرانيين وأمريكا اللاتينية، أصوات جريئة وصلت إلى “الآخرين” السكان المعزولين في “جنوب الأرض”، المستعمرات والمستعمرات الجديدة، العبيد الجدد الذي يعيشون في الدول “الزبونة”. سقط القناع، وظهر الوجه الحقيقي الفاسد للبروباغندا الغربية، إنه مرعب ومقزّز، لكن على الأقل هو الوجه الحقيقي وكل العالم رآه أخيراً.
فجأةً انكشف كل شيء، هذا هو عالمنا وهكذا غرقت وأتلفت البشرية، وهذا ما نسميه النظام العالمي أو بدقة أكثر، الاستعمار الجديد. يعلم الغرب كيف ارتكب مجازر شنيعة بحق ملايين الناس، ويعلم كيف تلاعب بعقول الشعوب الغربية، البروباغندا الخاصة به قاسية على الدوام (يتمّ تكرارها ألف مرة، كما الإعلانات التجارية وحملات تعليم الفاشية في الحرب العالمية الثانية) عندما تكون البروباغندا قادمة من الولايات المتحدة، أو “مكيافيلية” تكون متسمة بالمكر والنفاق. لن ننسى أبداً كيف اغتالت المملكة المتحدة واستعبدت مئات الملايين من البشر الأبرياء على مدى عقود طويلة في أنحاء العالم كافة، وجراء براعتها في غسيل الأدمغة وتضليل الشعوب، نجحت المملكة المتحدة في التملّص من العقاب رغم الإبادات الجماعية التي لا تُحصى، ونجحت في إقناع العالم أنها تستحق الاحترام ويجب أن يسمح لها الحفاظ على وكالة أخلاقية ومقعد في مجلس الأمن!.
يُتقن النظام الغربي فنّ الكذب بمهنية عالية وعلى الدوام، آلاف الأكاذيب تكدّست فوق بعضها البعض: أكاذيب حول ساليزبوري، حول الشيوعية، روسيا، الصين، إيران، فنزويلا، كوبا، كوريا الديمقراطية، سورية، يوغسلافيا، رواندا، ليبيا، واللاجئين. ما من شخص في العالم إلا ويضحك ساخراً عندما يرى بلطجية إمبريالية على شاكلة فرنسا وبريطانيا، يلقنون المواعظ والدروس للآخرين في كل أنحاء العالم حول الحرية وحقوق الإنسان، ولكن كثيرين بدؤوا يسخطون ويستنكرون… شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية، بدأت تتأكد من أنها خُدعت، وتمّ استغفالها والكذب عليها، الألفاظ المزعومة “تعليم وإعلام” القادمة من الغرب لم تكن سوى حملات وقحة للتوجيه وغسيل الأدمغة. بوسع ملايين الأشخاص أن يرووا للمرة الأولى أن وسائل الإعلام الغربية على شاكلة بي بي سي، دي دبليو، سي إن إن، صوت أميركا، راديو أوروبا الحرة/ راديو الحرية تمّت برمجتها والتحكم بها على مدى عقود طويلة من قبل هذا الغرب المخادع. وقد نجحت وكالات أنباء كبرى على شاكلة “رويترز” في حياكة رواية موحدة من أجل العالم بأسره، فيما قامت الصحف المحلية بنشر أعمال مفبركة متطابقة جاءت من واشنطن، لندن، وباريس ومن عواصم غربية أخرى. وبثت صوراً مزيفة ومفبركة حول مواضيع مهمّة مثل الاتحاد السوفييتي، والشيوعية، الصين، وكذلك الحرية والديمقراطية تمّ نقشها وزرعها في عقول الملايين من البشر. ويعود السبب الرئيسي في فتح عيون شعوب العالم المضطهدة من قبل الإمبريالية الغربية إلى العمل الدؤوب والجهود المكثفة التي تبذلها وسائل إعلام مستقلة محترمة وصادقة وهادفة مثل “نيو ايستم أوت لوك”، ار تي، وسبوتنيك في روسيا، وإذاعة الصين الدولية، وشينا ديلي في الصين، تليسور في فنزويلا، و”برس تي في” في إيران. هذه القنوات إضافة إلى وسائل إعلام أخرى كثيرة مناهضة للإمبريالية، هي أشعة مضيئة للبروباغندا- المضادة القادمة من دول حاربت من أجل حريتها ورفضت أن تُستعمر أو يغزوها الغرب. كما تمّ تشكيل وترسيخ تحالف قوي مناهض للإمبريالية من دول مستقلة وحرة، هذا التحالف يلهم مئات الملايين من البشر المضطهدين، يمنحهم الأمل ويعدهم بمستقبل أفضل، واعد وعادل، “وسائل الإعلام الجديدة” هي في مقدمة تغييرات عديدة وتطلعات إيجابية، بينما ينظر الغرب ويراقب، خائف ويائس وهائج، مستعد للتدمير وللقتل وللسحق بغية إيقاف هذه الموجة من “التفاؤل الخطير” والتطلع إلى الاستقلالية الحقيقية وللحرية.
الآن، ثمّة هجمات متواصلة ضد وسائل الإعلام الجديدة الناطقة باسم العالم الحر وباسم الشعوب الحرة. في الغرب “ار تي” مهدّدة بالطرد، وقناة “نيو ايستيرن اوت لوك” هي الأخرى ضحية هجوم مشين من قبل قراصنة غربيين محترفين، أما قناة “تليسور” فقد طاولتها العقوبات الأميركية ضد فنزويلا، وكذلك الحال بالنسبة لتلفزيون “فارس” الإيراني. الغرب المسؤول عن مليارات الضحايا في العالم لا يُعاقب ولا يُحاسب على جرائمه، بينما دول مثل روسيا، إيران، الصين، كوبا، وفنزويلا تواجه “تداعيات العقوبات الغربية الجائرة” التي تتمثّل بالحصار، العقوبات، بروباغندا، تهديد ووعيد مباشر، وحتى مضايقات عسكرية فقط لأنها بكل بساطة ترفض قبول الديكتاتور الأحمق الغربي، ولأنها اختارت شكل الحكم الخاص بها ونظامها السياسي والاقتصادي أيضاً الخاص بها.
هذا الغرب غير قادر على مسامحة المنشقين، يطالب الجميع إبداء الطاعة التامة والخنوع المطلق له، ويبدو تماماً كأصولي ديني وبلطجي عالمي، وما يزيد الطين بلّة أن شعوب هذا الغرب إما أنها متكيفة مع الوضع أو أنها لا مبالية، وربما كلاهما معاً، وغير قادرة على فهم ما تفعله بلادها وثقافتها بباقي العالم. الجميع يعلم ما فعله الغرب بروسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا، جنوب إفريقيا ، تيمور الشرقية، وكمبوديا. وما فعله في العراق وليبيا وأفغانستان والهندوراس، وإندونيسيا وسورية.. هذا ما فعله الغرب بكل الدول التي رفضت الركوع لواشنطن ولندن، بالمقابل انظروا كم هم أقوياء أولئك الذين يحبون بلادهم ويدافعون عنها.
على غير ما كان متوقعاً، سورية نهضت، انتصرت على الإرهاب المدعوم من الخارج، من هذا الغرب الحاقد، كسبت الحرب بعدما أحاط بها ودعمها الحلفاء الصادقون، كان الغرب يفكر بتكرار السيناريو الليبي في سورية، لكنه جوبه بقبضة حديدية، أعصاب باردة، قوبل بستالين غراد أخرى ومني بهزيمة نكراء.
اليوم ترى الشعوب وتتذكر كل معاناتها بسبب هذا الغرب، بدأت تفهم بكل شجاعة.. فهمت أن العبودية ليست الطريقة الوحيدة لتعيش حياتها، التحالف المناهض للغرب والمناهض للإمبريالية هو اليوم قوي وصلب كالفولاذ، ليحمي نفسه وباقي العالم من وحشية الغرب. وفي هذه الدول الرائعة التي تقاوم الإمبريالية الغربية والقتل، تنشر وسائل الإعلام رسائل كثيرة متفائلة وشجاعة، بينما الغرب يراقب ويضطرب ويلطخ سمعته أكثر فأكثر ويزداد إجراماً يوماً بعد يوم.. هو يعلم أن نهاية عهده الوحشي على العالم باتت وشيكة، ويعلم أن أيام الإفلات من القصاص ولّت إلى غير رجعة، ويعلم أن العالم سيحاكم الغرب عاجلاً أم أجلاً على جرائمه الشنيعة التي ارتكبها بحق البشرية على امتداد قرون، كما يعلم أن الحرب الإعلامية سيكسبها العالم الحر وليس هو. ميدان المعركة تحدّد، الغربيون ووسائل إعلامهم يرصون الصفوف، ويلتصقون بأسيادهم، ثمّة معركة إيديولوجية كبرى جارية الآن، وهذه أوقات مضيئة ومثيرة، ولا شيء أسوأ من العبودية.. تحطمت الأغلال ولن يكون هناك بعد اليوم إفلات من العقاب من قبل أولئك الذين تلذذوا بعذاب البشرية وتفنّنوا به على مدى عقود طويلة، الشعوب الحرة ستحارب أكاذيبهم وتفضحها وتضع حداً لها.