ثقافةصحيفة البعث

محمد شبيب في صالة السيد.. التعبيرية بأدوات ناعمة

افتتح في صالة السيد للفنون الجميلة مؤخراً معرض الفنان محمد شبيب وقد ضم عدداً من اللوحات التي عالجت الحالة الإنسانية وما يجتاحها من تحولات في جوانب الفرد والعائلة والمكان الذي ترتبط خلاله هذه المفردات المتقاربة من بعضها في مصائرها وبما ينتابها من حالات العزلة والغربة والفقد، وإن كان العمل مكتظا بجملة الألوان المفروشة على سطح اللوحة بطبقات شبه موحدة في دسامة المادة، والمتنوعة في إيقاعها الفيزيائي اللوني، تأخذ عين ناظرها إلى اليقين بأن لهذا الفنان طريقته في تنفيذ اللوحة وخصوصيته في التعاطي مع هذه السطوح الملونة بتلقائية أولاً، ليبدأ لاحقا في خلق تلك الصورة التي تتمظهر من خلال الخطوط الرشيقة الراسمة لحدود الشكل في وظيفتها المباشرة لإظهار حدود الجسد والأطراف مع مراعاة الوصول إلى الحدود التعبيرية المراد الوصول إليها، وربما يبنى العمل على أساس تلك الاكتشافات التلقائية التي تكونت من خلال تلك المرتسمات اللونية أولاً، ومن ثم تكون الحدود الخطية مانحة الشكل قيمته المرصودة في الفكرة الأثيرة التي يقوم عليها هذا المعرض، ألا وهي الجسد الإنساني والثنائيات وأكثر في بعض اللوحات، وقد استطاع الفنان حشد أكثر من تأثير لهذه الخطوط اللينة لتمنح صفة الطلاوة على العمل مع أن العمل بتعبيريته لا يحتمل إلا القليل، لأن الجملة البصرية واضحة وبسيطة واغتنت إلى حد الكفاية بتلك المسحات اللونية العريضة بتأثير الأداة العريضة التي قام الفنان باستخدامها بعد فرش اللون على السطح.

تنتمي هذه الأعمال  في حسها التعبيري إلى اللطافة المحببة والتبسيط في معالجة التشريح ورسم معالم الوجوه والأطراف والبقية عناصر الهيئة الإنسانية، إلا أن العائلة اللونية تقدمت على الجانب الغرافيكي الأساس لخلق إيقاع الحركة قيامة التكوين، وقد ذهب شبيب إلى رسم شخصياته مقلوبة ومائلة في لغة مباشرة تستحوذ على انفعال الفنان وولوجه إلى البيان الواضح على قساوة ما يتعرض له الإنسان واعتراضه على ما وصلت إليه حالة الناس من أسى ومعاناة طالت الفرد والعائلة والعلاقات الإنسانية، وأوقعت هذه الأرواح في غربتها القسرية حيث لا انعتاق إلا بما تبقى من لون وجمال وخطوط مائلة حانية تنشد السلام.

معرض الفنان شبيب جاء حاشداً ومكتظاً، فالعرض المتقارب للوحات لم يجعل للفسحة مكان بين هذه اللوحات المتقاربة والمتماثلة حتى في القياس، مما أوقع المعرض في الكثافة والحشد رغم لطافة الصالة والمكان والجمهور المحب لشخصية الفنان الدمثة.

بهذا المعرض تكون قد تقدمت صالة السيد للفنون الجميلة خطوات نحو استعادة دورها ومكانتها بين صالات دمشق التي بدأت تستعيد عافيتها بفعل الحياة التي لم تتراجع يوما رغم الحرب والظروف القاسية التي تمر بها البلد، وبإصرار أهل الثقافة والفن على دورهم خلف المدافعين الحقيقيين عن الحياة، جعل من الأمل شيئا ممكناً، وننتظر عودة ذلك الألق للمعارض التي لم تنقطع في العاصمة، كما نأمل من هذه الصالة الجميلة أن تستعيد كامل ألقها وحضورها وتنافس الصالات الأخرى التي تتميز بعروضها الجميلة والمنافسة لمعارض الدول المجاورة، ولا نغالي حين نقول أن في دمشق الكثير من الجمال ومما يفتقده الآخر وحضارته.

أكسم طلاع