عندما يتدخل الأصيل
مع انهزام الوكيل وتدخّل الأصيل، يمكن التأكيد بأننا أمام فصل جديد من الاستهداف، حيث أن التنظيمات الإرهابية هرولت مجبرة نحو عقد اتفاقات تسويات، إما تحت ضغط أهالي المناطق التي تسللوا إليها، وإما لفقدانهم أي أمل في مواجهة الجيش السوري، ما يعني أن الوكيل يحتضر، وبات لزاماً على الأصيل التدخّل مستخدماً ما لديه من أوراق ضغط لإعطاء جرعة إنعاش للمرتزقة لبث الروح فيهم ريثما تنضج مخططات جديدة للاستمرار في الحرب. فقبول محور الحرب بأي حلول الآن هو بمثابة التوقيع على صك الهزيمة، والتي لم يستطع هضمها في ضوء ما أفرزه الميدان العسكري، وتكشف أبعاد المخطط الاستعماري أمام المزاج الشعبي العالمي، الذي طرأ عليه تغيّر كبير، خاصة بعد العدوان الثلاثي وانكشاف حجم الكذب والتضليل الذي مارسه الغرب لتبرير العدوان.
ولأن الخيارات باتت محدودة أمام ترامب وماي وماكرون، بعد أن فشل تدخلهم العسكري والذي جاء لحفظ ماء الوجه، أصبحت ورقة الكيميائي هي الوسيلة الوحيدة التي بيدهم للضغط على الدولة السورية والحلفاء، ويعلّقون الآمال على لجنة تقصي الحقائق- والتي وافقت الحكومة السورية دخولها إلى دوما- للخروج بتقرير مفصّل على مقاس تدخل عسكري جديد يعوّلون عليه في تعديل موازين القوى على الأرض. تزامناً مع تسريب معلومات عن النية في تشكيل كيان انفصالي في الجنوب بدعم من الكيان الصهيوني، واستبدال القوات الأمريكية في شرق الفرات بمرتزقة من شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، على أن يتكفل عرب الخليج بتسليحها ودفع أجور استخدامها، ما يعني أن الحديث عن انسحاب أمريكي من سورية ليس أكثر من استبدال قوات بأخرى من المرتزقة، في ضوء المقاومة الشعبية التي بدأت تتشكّل لمحاربة الوجود الأجنبي غير الشرعي.
ويبدو واضحاً حتى الآن أن الغاية من إرسال وفود من منظمة حظر السلاح الكيميائي أبعد ما تكون عن معرفة الحقيقة، والتي تؤكّد بأنه لو بالفعل وقعت هجمات من هذا النوع فهي تمّت من قبل التنظيمات الإرهابية، التي كانت تمتلك هذا السلاح في أماكن متعدّدة وبكميات كبيرة، ويمكنها افتعال استفزازات كلما طلب المشغل منها ذلك. فيما مجلس الأمن بات وكأن ليس لديه عمل سوى سورية وهذا دليل آخر على أن الحرب أصبحت أكبر من منطقتنا، ونتائجها ستحدّد شكل التحالفات لعقود قادمة.
إذن نحن أمام فصل جديد من المواجهة، تزج فيها المنطقة برمتها في حروب متعددة الأساليب، من جهات تختلف في الإيديولوجيات والأهداف، ولا يمكن التكهن كيف ستبدأ ومتى ستنتهي. أما المؤكّد فهو أنها ستكون مدمّرة للجميع، ولا تخدم سوى الكيان الصهيوني المرعوب من انتصار سورية، وأمريكا التي تتاجر في الحروب وصفقات الأسلحة لسد عجوزات خزينتها من جهة وإبقاء هيمنتها على القرار العالمي من جهة ثانية. وهذا من وجهة النظر الأمريكية يستحق الذهاب في المقامرة حتى النهاية طالما أنها لن تخسر جندياً أو دولاراً، والاكتفاء بقيادة المعركة من الخلف والقيام بضربات جوية كلما تطلّب الأمر لإثبات وجودها.
بعبارة أخرى الصراع صراع محاور، والمعركة معركة كسر عظم، ولا وجود للحلول الوسط فيها، ولا أحد يستطيع التموضع في المنطقة الرمادية.
سورية التي أدركت أبعاد المؤامرة مبكراً نجحت وبالتعاون مع الحلفاء في المواجهة بكل سيناريوهاتها، فهي كسرت أسطورة التفوّق العسكري الصهيوني الأمريكي عبر إسقاط مقاتلة الـ إف 16 وكذلك صواريخ التوماهوك والكروز الذكية، وفي السياسة فإن الدولة السورية ستسير معهم حتى النهاية وما سيصدر عن دوائر القرار في الدول الكبرى وفي المحافل الدولية سيبين لنا النوايا الغربية أكثر، وبالتالي الأسلوب الذي سيتبع مع التطورات في المرحلة القادمة، بينما الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يغيّرها تفيد بأن سورية تتجه نحو الانتصار، بشعبها وجيشها وقيادتها، مهما تبدلت أساليب الاستهداف، وما حصل في الغوطة الشرقية سيتكرر في كل المناطق التي تسلل إليها الإرهاب.
عماد سالم