ثقافةصحيفة البعث

عناوين غنية في مؤتمر الأدب المقارن العربي والفارسي

 

ضمن فعاليات مؤتمر الأدب المقارن العربي والفارسي في بلاد الشام وإفريقيا، افتتحت الجلسة الأولى بمحاضرة للدكتور عيسى عاكوب، الأستاذ في جامعة حلب مختص بعلم البيان باللغة العربية والمهتم بالترجمة بين اللغتين الفارسية والعربية، بعنوان “فرسا رهان بلاغة العرب” وجاء فيها، يلحظ المتأمل بتاريخ الثقافتين العربية والفارسية أنهما تحدثتا لغة واحدة وخاصة في العصر العباسي، وقد حان الوقت للتساؤل هل نشأت بلاغة بليغة من التبادل بين الثقافتين؟ الحقيقة نعم، فكان الأدب العربي في العصر العباسي الأول مزيناً بمعاني العجم، فاللغة العربية كالطائر والمعاني الفارسية كجناحي الطائر، لقد اجتمعت الروح العربية والروح الفارسية على إغراقنا بالبيان، وبذل الإيرانيوّن جلّ جهدهم لإغناء الأدب العربي بالبيان والبلاغة وبذل العرب أقصى جهدهم لمضاهاتهم.
ثم تحدث د. إحسان قبول، أستاذ في جامعة فردوسي الإيرانية ورئيس المركز الدولي لتعليم اللغة الفارسية، عن تأثير القرآن والحديث على الأدب الفارسي، فقال: نحن نعتبر أن أوّل وأهم كتاب مؤثر على الأدب الفارسي هو القرآن الكريم ثم الأحاديث النبوية، وهناك وجهتي نظر لتأثر الأدب الفارسي بالقرآن الأولى إيجابية، تتمثل بتأثيرين، الأوّل تأثير اللغة والبلاغة، والتأثير الثاني معنوي، والمقصود به الترجمة كلمة بعد كلمة والتفسير والتأويل. أما وجهة النظر الثانية فهي سلبية تتمثل بالنظريات الغربية، كالنظرية الفرنسية التي تقول بأن أي منتج أدبي عربي قبل القرآن متأثر بالإنجيل كالمعلقات وغيرها، فهم ينظرون إلى الموضوع كخطٍّ بيانيٍّ مستقيمٍ.
وقدم د. عبد النبي اصطيف ثلاثة نماذج عالمية عن عبقرية القص الشرقية، وهي كليلة ودمنة وحي بن يقظان وألف ليلة وليلة، ترعرعت وانتشرت هذه البذار الشرقية في الأدب العالمي، فاللغة العربية هي لغة العرب ولكن منذ نزول القرآن فيها أصبحت لغة المسلمين وفرض عين على كلّ مسلم أن يتقنها ويبدع فيها. والدليل على ذلك أننا وجدنا سيبويه وبشار ابن برد يتفوقان على نظرائهما من العرب في عصرهما، وأيضاً النهضة التي شهدها الأدب العربي فقد شارك في إثرائه العرب وغير العرب من المسلمين.
وأكد د. علي خياط أستاذ اللغة العربية والمستشار الثقافي السابق في دمشق، على عمق العلاقة القديمة بين اللغة العربية والفارسية واتساعها، حيث أدت إلى تداخل ثقافيّ عميق، نقل المجتمعون إلى مسرح التفاعل العالمي في بناء حضارة عرفت بالحضارة الإسلامية، ولم يميّز الغرب بين ما قدّم من الأدب الفارسي والأدب العربي. كما شدد على أهمية الترجمة التي فتحت أنماطاً جديدة على الأدب العربي لم يكن قد ألفها من قبل. وتساءل في نهاية حديثه ماذا نعرف عن أدب المقاومة الإيراني؟ هذا الإرث الثقافي القوي المشترك بيننا إرث المقاومة وأدب المقاومة فهناك تقصير في نقل ونشر هذا الإرث.
وتحدث د. احمد سيف الدين أستاذ الأدب المقارن في جامعة البعث، عن صورة الغجر في الأدبين العربي والفارسي، واستهلّ حديثه بالقول إن أيّ دارس للأدب العربي يعرف حجم تلك الإسهامات الجليلة التي لا تقلّ أهميّة عن إسهامات أبناء اللغة نفسها، كالطبري والزمخشري وسيبويه والأصفهاني. لينتقل للحديث عن الغجر والظلم الكبير الذي تعرضوا له عبر تاريخهم الطويل، فهم عرق هنديّ الأصل بدأت هجراتهم نتيجة صراعات في بلادهم كما روى الفردوسي. والغجر اليوم منتشرون في كل أنحاء المعمورة ولا تكاد تخلو منطقة منهم، لغاتهم ودياناتهم مختلفة باختلاف الأقوام التي جاوروها، فبقي اعتناقهم للدين بعيداً كلّ البعد عن التزمت مشابهاً لعلاقتهم بالمكان، وهناك نظرة نمطيّة في الأدبين العربي والفارسي محكومة بالطابع السلبي تجاه الغجر، لذا نلحظ ندرةً بالمادة الشعرية الخام في الأدب الفارسي التي تتحدث عن الغجر، وكذا الحال عند العرب فالنظرة الاستعلائيّة الفوقيّة سادت تعامل العرب مع الغجر ما سبب ندرةً في ذكر الغجر ضمن الأدب العربي.
وتناولت د. ميرفت سلمان، أستاذة في كلية الآداب بجامعتي تشرين والبعث، موضوع الأدب المقارن في قصص الأطفال في الأدبين العربي والفارسي، فقدمت أنموذجين عن هذه الدراسة، الأوّل للكاتبة السوريّة لينا كيلاني، متمثلاً بقصّتها “غاق ينجو من الثعلب” والمستندة على حكاية مأخوذة من الأدب الفرنسي. والثاني للكاتب الإيراني نادر إبراهيمي وقصّته “بطل الأبطال”.

العلاقات الثقافية العربية الإيرانية
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر التي أدارتها د.نور الهدى حناوي طرحت عناوين غاية في الأهمية فتحدثت د. دلال عباس من لبنان عن “العلاقات الثقافية الإيرانية العربية تاريخياً” وأشارت إلى أن تعلم اللغة العربية بعد أن أسلم الإيرانيون كان أمراً مفروغاً وبدا تأثيرها واضحاً عليهم، كذلك تأثرت العربية بما أدخلته الشعوب الأخرى التي أسلمت من معاني ومفردات ولاسيما الإيرانيون.
ولفتت عباس إلى أنه حين أصبحت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية لإيران وحين أرادوا كتابتها كتبوها بالخط العربي الذي كان أمراً ملزماً وواقعاً لأن الجميع يعرف قراءتها، بالإضافة إلى حركة الترجمة وانتشارها وكذلك تأثر الشعراء الذين كتبوا بالعربية فقد كانت بالنسبة لهم اللغة الأولى وغلبت العربية على الثقافة الفارسية، وفيما يخص العلاقات الثقافية بين إيران وجبل عامل تحديداً بينت عباس أنها علاقات سياسية ثقافية توثقت بعد الفتح الإسلامي وأدت إلى تأثير متبادل على كافة الأصعدة، أما سياسياً فإن نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية كان الدافع لنهوض المقاومة في جنوب لبنان التي استمدت منها الفكر والدعم وكانت الضوء الوحيد في العتمة التي خيمت وما تزال على البلدان العربية.
وقدمت زهرا غزالي بور من جامعة الفردوسي مداخلتها باللغة الفارسية وقارنت فيها بين العطار وابن الفارض اللذين عاشا في زمن سادت فيه العقائد وعلم الشعر، وأكدت أنه كما أن الواقع العام يؤثر على الوعي واللاوعي لدى الإنسان كذلك مقولة الشعر لا تخرج من هذه الحالة، ونوهت إلى أنها تريد أن تخرج عن صورة المعشوق الأزلي وأن تبين العلاقة بين الله عز وجل والمعشوق.
كذلك رأت د.ناهد حسن عبر حديثها عن “الروابط الأدبية الفارسية والعربية في العصر الأموي في بلاد الشام” أن الحضارة العالمية هي نتاج تلاقي الأمم في ثقافتها وعلومها ومعارفها، وأن العلاقات العربية الفارسية ضاربة في القدم والتداخل فيما بينهما تم عبر مراحل تاريخية وبتدرج في مجالات المعرفة الإنسانية، وجوانب التأثير المتبادل بين الأدبين منذ العصر الأموي وبشكل عام ظهر التمازج الحضاري بينهما في مختلف جوانب الحياة الأدبية ولاسيما الشعر والنثر والخطابة والنحو والكتابة وعلوم القرآن محققاً نتائج نوعية أثرت بقوة في كلا الطرفين الفاعلين.

فروق واختلاف
ولفت د.نورس أحمد إلى أن مقوم التراث المدون الذي تتركه كل حضارة هي اللغة، وأن الحضارة العربية تركت في العصور الوسطى أكبر تراث عالمي، وأشار إلى اللغتين الفارسية والعربية متمايزتان وأثرتا ببعضهما من حيث الاشتقاق والنحو والأدب، حيث تتكون ألف باء اللغة الفارسية من 33 حرفا هي حروف اللغة العربية مضافاً لها بعض الحروف، كما استعان الإيرانيون بأنواع الخطوط العربية واستخدموا مصطلحات عربية وأدخلوها إلى المعاجم الفارسية، ونوه إلى مجموعة الفروق بين الفارسية والعربية وهي اختلاف النبرة الصوتية فاللغة العربية فيها صلابة بينما الفارسية فيها مرونة واختلاف التصريف والاشتقاق والمثنى والجمع، والتفريق بين المذكر والمؤنث، بالإضافة إلى وجود اختلافات نحوية حيث تختلف معايير تقسيم الجملة بينهما ويتجلى الفارق في ترتيب أنساق الجملة.
وأكد د.حسن لفتة حافظ من العراق أن المرأة تعد رمزاً في مختلف الآداب وهي مانحة الحياة وتمثلت بصورة المعبود محاولاً كشف أوجه تشابه المرأة في الأدبين الفارسي والعربي وكيف صورت فيهما، وبيّن أن المرأة شكلت في الفكر الإنساني الحياة وأسهمت في تحولات الفكر وشكلت في عصر الزراعة نواة المجتمع وقد وجد نظام الأمومة عند العرب في عصر متقدم جداً مع بدء الحياة الزراعية الذين اهتموا بالمرأة وأعطوها مكانة كبيرة وبدأت تأخذ سمة التقديس وشكلت راسخاً وجودياً عند الإنسان القديم، بينما المرأة في بلاد فارس كانت مكانتها في انحطاط ووضعت عليها مجموعة قيود.
كذلك ركزت د.نسرين دهني على الترجمة باعتبارها رافداً من روافد الحضارة وتقوم بدور أساسي في تواصل الشعوب ولا تقتصر على تقديم المعلومة بل تتعداه إلى الإبداع والتجديد، وفيما يخص حركة الترجمة في فارس وسورية نوهت إلى أنه في سورية يذكر المترجمون في مقدماتهم أسباب اختيارهم لترجمة عمل معين وتضمن مقدماتهم تعريفا بصاحب العمل الأصيل فهي مقدمات ناجحة وتؤدي مهمتها، لكن الأعمال المترجمة للفارسية تتفاوت مقدماتها في المستوى ولم يؤد معظمه مهمته، لافتة إنه لا يوجد في إيران دراسة في الأدب السوري بل يوجد عن الأدب العربي ككل ربما لأنهم نظروا له كجزء منه، وبينت أن سبل تطوير الترجمة هي ضرورة تعليم اللغتين وفق أحدث طرائق التدريس.

الأدب المقارن وأهميته
وتناول د. عبد الله رادمرد، أستاذ العلوم الإنسانية والأدب الفارسي في جامعة فردوسي، موضوع الأدب المقارن وأهمية النقد فيه، وأن الهدف الأساسي من هذا الأدب هو شرح الأدب القومي وتميزه عن غيره من الآداب، وهو تعريفاً دراسة تأثير النص الأصلي على النص الهدف. وهناك أربعة متغيرات لشرح الأدب المقارن، المتلقي والهدف والفترة الزمنية ودراية الشارح. ليعدد بعدها أنواع شروحات النص، اللغوي والجمالي والمعتمد والمقارن.
وروى د. خلدون صبح، أستاذ البلاغة في جامعة دمشق، بعض القصص عن “جلال الدين الرومي” وفند غايتها، فبدأ بقصة “عشق الحيّ القيّوم” وهي اسطرلاب عشق الله، ثم “الختم على القلب” التي تتكلم عن المثل القائل صاحب الحاجة أرعن، وختم بـ”صاحب الذوق” وهي نقدٌ للقياس المعوج عند الناس. وأشار إلى تفرد الرومي باستخدام الرقص والموسيقى في صوفيته واعتمد على علم الأضداد الموجود في الأدب العربي.
وتحدث د. علي خياط، أستاذ العلوم الإسلاميّة والمستشار الثقافي السابق في دمشق، عن “مظاهر ومجالات التأثير المتبادل بين اللغتين العربية والفارسية” وأشار إلى أربعة أسباب للتبادل اللغوي بين الأمتين العربية والفارسية، الجوار والحافز الديني والامتزاج والهجرة بينهما وإنشاء مراكز تعليم اللغة العربية في إيران، ولذلك هو تداخل أكثر منه تبادلاً. وأهم مجالات هذا التداخل هو تداخل المفردات والمصطلحات فأخذ الإيرانيون الشعر والبلاغة والترجمة من العرب وبالتالي ساهموا في نشر وتوسعة اللغة العربية وأخذ العرب منهم أدوات تطوير النقد والحكم وبعض الأعياد.
بعدها انتقل الكلام لـ د. ألما سليمان، أستاذة اللغة العربية في جامعة البعث، لتذكر صوراً من تناول جلال الدين الرومي لمعاني القرآن الكريم وتأثيره على الناس وطريقة تفكيرهم، ونقل المجتمعات من الجهل إلى النور، فماذا قرأ الإنسان بعد أن كانت أول سورة أنزلت هي سورة “العلق”، قرأ كتاب الحياة كتاب العقل وكان الرومي من أوائل من فعلوا ذلك، وجاء ديوانه المثنوي تكليلاً لهذه التأملات في رحاب القرآن، فالمثنوي ليس فلسفةً ولا تفسيراً ولا تأويلاً وإنما فِكر صغيرة أخذها الرومي من حياة الإنسان ليقرّب القرآن من قلبه، فالقرآن يبدأ بالمحسوس ثم المدرك ثم المجرد وكذا فعل الرومي بالمثنوي صور تمتد وتتنامى، تبدأ صغيرة مترابطة لتشكل صورة كبرى في ذهن المتلقي.
وتطرقت د.رنا الجوني، عضو الهيئة التدريسية للأدب الفارسي في جامعة تشرين، إلى موضوع “الأنثى الوجود والكينونة” لتقارن بين أشعار غادة السمان وفروغ فرخزاد. واختتمت فعاليات المؤتمر بتوزيع الجوائز والشهادات على المشاركين.

سامر الخيّر- لوردا فوزي