طابور الخطايا
كلنا يدرك أن (الطابور) بصورته التقليدية التي يألفها السواد الأعظم من الشرائح الاجتماعية ليس مستحضراً أو وصفة نتعاطاها لمعالجة علة اقتصادية بقدر ما هو دليل وأحد أهم العوارض التي تثبت أن السياسة الحكومية المتبعة ناجعة أم لا هذا في زمن الظروف الطبيعية، أما في الاستثناء فكل وجع له مبرراته النسبية نوعاً ما مع التنويه إلى أن تشبيك الخطايا على شماعة الظروف القاهرة يعد تطبعاً يغلب الطبائع التي تتهم بالتحجر والانكفاء.
من المعروف أن العقلية الإدارية الفاسدة والمترهلة والمتخمة بالروتين توصف من قبل الكل بأنها (طابور خامس) متجمد لا يقبل التحديث والتطوير ومرونة الأداء، ولكن الطابور الذي نحن بصدد الحديث عنه يعد واقعاً نلمسه لا بل ونشكل جزءاً من الصفوف التي تصنع رتلاً أو أرتالاً حسب السلعة أو الخدمة المطلوبة وحساسيتها والمكان وكثافة التجمع السكاني وسوية الخدمة وتمركز المراكز والكوات والأماكن التي تتخصص بالسلعة أو الخدمة، والأهم سوية الوعي والثقافة المجتمعية والحكومية.
بصراحة المواطن العادي المعادلة ليست بالتعقيد المتخيل، فالوقوف في الطابور يعد وجبة يومية مليئة بدسامة المعاناة والألم والانتظار الطويل جداً على أمل الحصول على الهدف المنشود على وقع التدافش بالأيدي والركل بالأرجل مع مزيد من الصراخ والمشادات التي لا تخلو من التصادم المباشر ولا مجال لحلول أكثر حضارة ودبلوماسية في ظل هذا القطيع الغريزي ولن يخسر إلا المتسلح بالتهذيب والعفة واحترام الذات.
حسب سلم الاهتمامات يطفو حديث الانتظار في الطوابير الآنفة الذكر على أحاديث الشارع أيما اتجهت ومنه ثمة فرصة جديدة للفكر التبريري الذي يهيمن على الذهنية المجتمعية، فالغوص في تأمين الاحتياجات والقيام بالواجبات الضرائبية من فواتير وشاكلتها يعني ذهاب يوم العمل كله حسب الأولويات وليس مستغرباً أن تحتاج بعض الاحتياجات لأيام، وهذا الكلام ليس مورداً من المريخ بل صناعة محلية بحتة بلا بهارات ورتوش أي الواقع كما هو.
الأعقد من كل ما سبق هو العلاقة الطردية بين حتمية الطابور وتصاعد الفساد والمحسوبية والقفز من فوق الأخلاق قبل القوانين هذه المرة، وبالتالي هناك من يربط بين هذه المظاهر وإرادة الفائدة الفردية والمصالح الشخصية، وبالتالي تنتشر عمليات الابتزاز والمساومة بحيث تصبح فرصة لاستغلال حاجة الناس، ما يفتح المجال أمام رفع الأسعار مقابل الخدمة المقدمة وأحياناً لا مانع من تعمد خلق أزمة ما عبر الاحتكار والروتين لمصالح منفعية، وفي حسابات أخرى تأليب المواطن من نافذة إظهار الدولة في عيوبها.. وهنا الخطر الأكبر..؟.
علي بلال قاسم