اقتصادصحيفة البعث

على خلفية ما أطلق من وعود.. رجال “أعمالنا” المهاجرين.. هواجس غير مبررة لا تزال تتملك رأس المال السوري المغترب تجاه العودة..!

 

نذكر جيداً ما كان يجود به رجال الأعمال السوريين وتحديداً المغتربين منهم، من وعود ساقوها على منصة الدورة 59 لمعرض دمشق الدولي، مدعومة بما أبدوه من تلهف للعودة إلى بلادهم والاستثمار فيها في أقرب وقت ممكن، لكن ما إن تواروا عن عدسات الإعلام وأقلام الصحف، توارت معهم أخبار عودتهم الميمونة..!

أخطأت الهدف
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى مسألة في غاية الأهمية تتحمل الحكومة جزءاً كبيراً منها، كونها أخطأت خلال سنوات الرخاء الاقتصادي بجذبها لمستثمرين محليين لا يبالون برد ولو جزء مما منحته لهم من تسهيلات استثمارية، فمع أول اختبار حقيقي تكشفت حقيقة رأس مالنا الوطني ورواده الذين لم يتوانَ بعضهم لحظة شعورهم بالخطر على ثرواتهم واستثماراتهم من اتخاذ قرارات سريعة دحضت كثيراً من مزاعمهم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وما تسريح العمالة بداية سنوات الأزمة – ومعظمها غير مؤمنة اجتماعياً – والهروب للاستثمار في الخارج، إلا دليل دامغ على نكران الجميل، وإيمانهم الكبير بمبدأ (رأس المال جبان) والذي على ما يبدو بات منهجاً رئيساً في عملهم، ودفعهم للبحث عن أسواق جديدة يمكن أن يحققوا فيها طموحاتهم المالية غير المحدودة تتمتع بمزيد من الاستقرار وميزات تنافسية في عدد من الصناعات لضخ استثمارات جديدة فيها، يستمر من خلالها دوران عجلة إنتاجهم..!

استثمار للحدث
ومع عودة دوران العجلة الإنتاجية لم يطمئن بعد من انبرى على منصة الدورة 59 لمعرض دمشق الدولي ليكيل علينا بوعود الاستثمار في البلاد على الواقع الاستثماري في بلده، ليتبين أن ما أطلقه من وعود مجرد استثمار لحدث المعرض الغاية منه استعراض الذات، تماماً كما كنا نلاحظ ذلك أيام الرخاء الاقتصادي لدى دخولنا إلى الفنادق المرصعة بالزخارف المخصصة واللائقة بطبقة الـVIP، وما كان ينتابنا للوهلة الأولى من دهشة بعدد مرتاديها – وخاصة أثناء انعقاد المؤتمرات الاقتصادية – من رجال أعمالنا المحليين، الذين كانوا لا يوفرون وسيلة لاستعراض ذاتهم أمام كاميرات الإعلام والصحافة، ومرأى الحضور، لأسباب ربما تتعلق بإرضاء غرورهم، أو للفت انتباه رؤوس هرم سلطتنا التنفيذية عسى أن يتمكنوا من إبرام ما يستطيعون من الصفقات والحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات الحكومية.. لكن وفي أول امتحان لصدق نواياهم سرعان ما تلاشى أو تلطى هذا الكم وراء مبررات جوفاء من قبيل ارتفاع تكاليف الإنتاج والرسوم الجمركية وتذبذب سعر الصرف وغير ذلك من العوامل التي لم تساعدهم على تحقيق التزاماتهم لقاء ما حصلوا عليه من امتيازات.. مبررات يراها بعض المراقبين محاولة للتخلص مما يتوجب عليهم القيام به تجاه بلدهم..! إذ على ما يبدو لا تزال هواجس “جُبن رأس المال” تتملك هؤلاء، الذين يصبون إلى مزيد من الاستقرار المؤطر بمزيد من التسهيلات الحكومية، علماً أن عدداً منهم زاروا بلدهم مرات عديدة والتقوا بالمسؤولين الحكوميين وعلى أعلى المستويات وخرجوا بانطباع جيد وفقاً لتصريحاتهم، ولكن واقع الحال لم يكن مبشراً..!

للتذكير فقط
تستوجب حتمية المرحلة الراهنة التزامات لابد من الاضطلاع بها كل بحسب موقعه، ولاسيما شريحة قطاع الأعمال التي سبق وأن حصلت على امتيازات ضريبية، حيث إن المشرع زاد معدلات ضريبة الرواتب والأجور فرفعها بالشريحة الأخيرة من 15% إلى 20% وهذا على حساب العدالة الضريبية، بينما معدلات ضريبة الأرباح انخفضت من 66% عام 1949 إلى 45% عام 1991، ومن ثم إلى 35% عام 2003 لتنخفض عام 2006 إلى 28%، في حين معدلات الرواتب والأجور ارتفعت بدلاً من أن تنخفض، وهذا على حساب العدالة، فماذا يريدون أكثر من ذلك..؟!
من على نفس المنصة
بالمقابل ومن على نفس المنصة كانت “البعث” شاهدة على جدية بعض اللقاءات التي تمت بين بعض الفعاليات الحكومية الرسمية وعدد من رجال الأعمال العرب والأجانب، إذ شدد الجانب السوري وقتها على الابتعاد قدر المستطاع عن الدخول في متاهات القروض المصرفية، وإمكانية التركيز على التمويل الذاتي من قبل الطرفين بناء على الملاءة المالية لدى كل منهما. كما شدد السوريون على نقاط التلاقي وتحديد الأهداف المشتركة الكفيلة بتحقيق التكامل الاقتصادي لتحقيق جدوى اقتصادية ذات قيم مضافة عالية. وأجمع الطرفان على مسألة الوقت، وأن حُسن أي استثمار من حُسن استثمار الوقت. بدا واضحاً حرص وفود رجال الأعمال الأجانب على معاينة الوضع في سورية وقالوا ذلك بصراحة تامة، ليخلصوا إلى نتيجة مفادها “سورية بلد مفعم ببيئة خصبة للاستثمار”..!

أخيراً..
مرت فترة طويلة على سورية كانت الحكومة بمثابة الأب الذي يرعى المواطنين والمنشآت الاقتصادية عبر دعمها للمحروقات وغير ذلك من وسائل الدعم التي كانت تقدمها لقطاع أعمالنا، واليوم تعيش سورية مرحلة حرجة تستدعي أن تكون فعاليات هذا القطاع على قدر كبير من تحمل مسؤولياتها، لا أن تهاجر بعد أن قطفت ثمار امتيازات ما كانت تحققها في كثير من دول العالم، خاصة تلك التي نشأت وترعرعت من ألفها إلى يائها في ظل حماية ورعاية حكومية، وللإنصاف نذكر أن بعض رجال أعمالنا ممن لمعت أسماؤهم وشهرتهم الاقتصادية في بلاد الاغتراب، لم يتنكروا لبلدهم في ظروفها الحالكة، فقدموا مبادرات إنسانية وخدمية للمتضررين على اعتبار (ما حك جلدك مثل ظفرك).
حسن النابلسي
Hasanl@yahoo.com