ثقافةصحيفة البعث

أبو عسلي: العودة إلى المحلية السورية

 

غاب عن المشهد السوري حضور التجارب التي تعنى بالتصوير الواقعي، بينما تقدمت التجارب الجديدة التي تعنى بالحداثة والتجريب على حساب أكاديمية الرسم ومهارة المصور الزيتي في نقل الواقع والتغني بالطبيعة، إلى أن عادت -بعد غياب طويل- تجربة الفنان التشكيلي عبد الله أبو عسلي المعروف برسومه الواقعية وعنايته بالمنظر الطبيعي وخاصة ريف السويداء والساحل السوري، وذلك من خلال معرضه الذي أقيم مؤخراً في صالة فاتح المدرس للفنون الجميلة حيث أكد أن فن الرسم لا زال يحظى بالاحترام والتقدير من الناس ومتذوقي الفن التشكيلي، وعن تجربته ومعرضه ورؤيته لواقع المنتج التشكيلي السوري تحدث أبو عسلي قائلاً: بدأت تجربتي منذ عام 1994 وكان أول معرض لي في الأردن، ثم قدمت معرضين في دمشق في صالة نصير شورى ومعرضين في أبو ظبي ودبي، وكان آخر معارضي الفردية في أبو ظبي عام 2003.

عودة ومكان

وعلى الرغم من المشاركات المختلفة للفنان أبو عسلي في معارض جماعية، إلا أنه لم يقدم معرضاً فردياً لأسباب مختلفة كان أهمها”الأزمة” ولكن عندما بدأت بشائر النصر تظهر اعتبر أنه جاءت اللحظة لتقديم معرضه الفردي فيقول عنه: معرضي فيه استعادة لسنوات خلت مع بعض التغيرات الطفيفة والتحولات الجذرية وكنت حريصا على أن أقدم هذا النموذج من الأعمال، لأنه أصبح نادراً وفقدنا التوجه له في المرحلة الأخيرة، ويرى أبو عسلي أن المعرض الفردي يقدم للفنان قيمة مضافة ويلخص تجربته الكاملة بشكل أكثر وضوحاً على خلاف المعارض المشتركة التي تشتت المتلقي ولا تعبر عن التجربة الحقيقية للفنان.
ويتلمس أبو عسلي الخط الفاصل بين الرسام والفنان فيقول: الفنان قادر على التأليف والرسام يرسم كما يرى، وأشار إلى أن لوحته فيها “تأليف” فالمشهد فيها يخضع لمحاكاة إخراج بقواعد صارمة تنطلق على أسس هندسية صارمة، فأنا لا أقدم المشهد بأبعاده بل هناك إضافة وحذف وهو يخضع لتوازنات فكرية وأمور هندسية مع أنها طبيعية عشوائية، وكل مشهد في لوحاتي هو موجود وواقعي ولكنني أقوم ببعض التعديلات لكي تتوافق مع مقومات العمل التشكيلي بدون أن أؤثر على المكان فلوحاتي موثقة بالزمان والمكان، ومدرستي الواقعية الجديدة انبثقت من خلال مشاهدتي للواقع، ومحاكاة اللوحة بهذه الطريقة هي أقرب إلى المتلقي وحسه الذوقي والجمالي والبصري، فهي تحقق له الدهشة والتفاعل مع المكان والعلاقة مع الأرض.
ويعتبر أبو عسلي بأن المكان هو المؤثر الأساسي والأول بالفنان ولذلك كان تأثري بـ”السويداء” المكان الذي ولدت فيه، فهو البذرة التي انطلقت منها ولوحاتي فيها إيحاء واضح من المكان وتركيز كبير على الطبيعة، ونوه إلى مسألة غاية في الأهمية وهي أنه يرسم فقط المشهد الطبيعي الذي لم يتدخل به الإنسان، أي المشاهد العفوية والعشوائية ويبتعد عن تلك التي “نفذها” الإنسان فهو لا يشعر بأنها ستقدم له مشهدا تشكيليا بصريا، لافتاً إلى أن ملامح المشهد هي من تشدني وتجذبني بشكل مباشر وسريع بمعنى “يجب أن ترسمني” وعلى الفنان أن يتبع إحساسه ولا يجب أن “يعقل” العمل الفني كي لا يصبح محدوداً ويكون بذلك أقرب وأصدق.
وفيما يتعلق بـ”الحداثة” يوضح أبو عسلي: أنا فنان واقعي و”أقولها على الملأ “إنني احترم العمل -إذا كان فيه حداثة- على أن يكون من قدمه فنانا مهما ومتمكنا، يقدم مقومات عمل حقيقي من حيث التوازنات وقواعد اللوحة التشكيلية، ولكن للأسف بعض الأعمال الفنية هي فقط هرطقة وابتذال وتسطيح وهروب من القواعد، وهي مجرد عمل على السطح ومواكبة للغرب أو نسخ بشكل غير مباشر لبعض الأعمال التي تعطي انطباعا عن الحداثة في أوروبا، وتطرق أبو عسلي إلى معاناة الفنانين قائلاً: معاناة الفنان حقيقة ومسألة يجب النظر فيها، فبرأيي الفنان عليه فقط رسم لوحته وان يكون هناك مؤسسات خاصة قادرة على ترويجه بشكل يحترمه ويعطيه قيمته اللائقة، فلماذا لا تقف مثلا خلف “صالة الشعب” مؤسسة تعنى بالفنان وتسوق له، فعلى الفنان أن يكون متفرغاً للعمل الفني ولكن للأسف نحن كشرقيين هناك عوائق تحد من التفرغ الكلي، وتمنى أن يقوم اتحاد الفنانين التشكيليين بعمل ملتقى على مستوى المنطقة يحقق احتكاك الفنان السوري مع الفنانين العرب والعالميين مما يولد شرارة وانطلاقة، ورأى أن ما يميز المنتج التشكيلي السوري الآن هو الملامح التي تدل على هوية اللوحة ومكانها بمعنى أنها “سورية”وسابقاً كان هناك حضور أكبر لهذه الهوية ولذا يجب العودة للهوية المحلية السورية، واعتبر أن الدراسة الأكاديمية لها دور مساعد ومؤثر في مرحلة من المراحل ومن الجميل أن يتلقى الفنان تعليما أكاديميا ولكنها ليست الأساس، فهناك فنانون على مستوى العالم تعلموا من تجربتهم وقدموا منتجا جميلا وحققوا بصمة في المشهد الفني، ودعا إلى التركيز على تقديم منهج أكاديمي حقيقي يتتلمذ عليه الطالب في كلية الفنون الجميلة.
لوردا فوزي