الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أسئلة للقلوب القوية

حلّ شهر رمضان والجميع تهيأ للخروج من النمطية المعتادة في باقي الأيام سواء لتحضير مائدة الطعام أو متابعة دراما جديدة وغيرها، بمعنى أنه يمكننا القول هو شهر “الجديد” إلا أن هذا العام حمل من التجديد ما فاق التوقعات.

يتجول المذيع ليوقف الناس في الشارع ويبدأ في طرح الأسئلة –هو برنامج معتاد- ولكن رمضان 2018 كانت أسئلته غريبة وخارجة عن المألوف، وكأنها وضعت دون الأخذ بمعايير مهمة كالإنسانية والعاطفية لصدى السؤال، وما يمكن أن يسببه من أذى وألم. فهل تعتبر قمة الحداثة لبرنامج يمنح جوائز من شركة معروفة أن تطلب من المارة مبلغاً من المال وكأنهم “شحاذين”، ويستوقف المذيع أيضاً أي فتاة في منطقة معينة، ويطلب منها إخبار أهلها بأنها تنتظر مولوداً وستهرب مع حبيبها؟ وهنا يدور سؤال في الأذهان: هل من الممكن أن الجرأة في الطرح تكوّن سمعة وشهرة للبرنامج؟ ألم يفكر معد البرنامج ما يمكن أن يسببه للأم التي تستمع للمصيبة؟ هل فكر أنها تعاني من أمراض القلب أو الضغط أو السكر؟ بالتأكيد هو أمر كان غائباً عن ذهنه، وبعيداً عن الحالة المرضية هل يمكن لجميع الأهالي أن تكون ردة فعلهم  واحدة، ويدركون أنه مجرد برنامج عابر غايته فقط أن يُربّح الناس؟ فهل تستحق الهدية -مهما بلغ ثمنها وقيمتها- خسارة أحد أفراد العائلة أو تعرضه للأذى، والسؤال الأهم إن تجاوز الأهل هذه المزحة مرة هل تستطيع الابنة استخدامها عدة مرات أخرى ليصل بها المطاف إلى نفس نهاية قصة الراعي والذئب.

هذه الأسئلة تعتبر غريبة ومرفوضة ويحتار الشخص في تسميتها حضارة أم فكاهة؟، ومن ناحية أخرى، هناك من وصف الحالة بأنها فرصة للجيل الجديد -الذي يعارض العادات والتقاليد- ليتمسك بها ويقول إنه أمر عادي وجديد ويُعرض على شاشتنا، أما المنتج فهل يسعى إلى تطبيع مجتمعنا بعادات لا تشبهنا حتى لو كانت لعبة ومتفق عليها؟. ويمكن في النهاية القول كيف لرقابة أن ترفض مسلسلاً كاملاً يخدم المجتمع وتعطي الضوء الأخضر لبرامج تفقد قيمتها الفكرية والفنية بطرحها أسئلة غير مقبولة؟.

في الحقيقة لدينا الكثير من الأفكار والطروحات لكي نتحدث بها بعيداً عن الأسئلة التي تعتمد على الإحراج والأذى النفسي، لكننا لا ننكر أن بعضها كان ممتعاً مثل طلب التحدث باللغة العربية الفصحى مع أي أحد سواء صديق أو أهل وهو الأمر الذي أربك الكثير من المارة، فمثلاً رفص أحد الشباب رفضاً قاطعاً التحدث مع صديق خوفاً من تعرضه للشتم، لأنه أمر غير معتاد عليه، أو كالشاب الآخر الذي تحدث مع والده فأدرك الأخير من خلال فصاحته ولغته الغريبة بأنه يريد مالاً فأغلق السماعة.

جمان بركات