ثرثرة مجانيّة”..!؟
لا شكّ أنّ موجةً عارمةً من الغبطة ستسري في أوصالك، ما إن تطالع الفتوحات “النّيتّية” لوزارة اتصالاتنا، ولاسيما إعلانها عن إتمام توسيع الرّبط عبر الكبل البحري “أوغاريت” مع قبرص لتصبح السّعة 400 غيغا، بينما العمل جارٍ على قدم وساق لتوسيع السعات على الكبل “أليتار” مع مصر لتصبح 600 غيغا خلال شهر أيار الجاري، ما يعني مضاعفة السّرعة الحالية بأكثر من أربعة أمثال..!
ولاشك أيضاً أنّ موجة عالية من النّشوة ستجتاحك ما إن تسمع بأن المؤسسة انتهت للتوّ من توسيع جميع مقاطع الشبكة الداخلية للإنترنت (CORE) لتصل إلى سعات 400 غيغا..!
وحيث أن الأمور بخواتيمها؛ فإن أمواج الغبطة والسّرور لن تلبث أن تتحطم وتتلاشى على صخور نوايا الوزارة المخبوءة والتي كشف عنها مسؤولوها والمتجلية بتوجّه الشركة حالياً للتحضير لإطلاق باقات إنترنت جديدة تكون مسبقة الدفع (حسب الاستهلاك) لتحقيق ما تسميه: (عدالة الاستهلاك) بين المشتركين، إذ تدرس قرار تحويل حزم الإنترنت المنزلية والمكتبية ADSL غير المحدودة إلى باقات محدودة السّعة وفق ثلاثة أصناف وبأجور مختلفة.
ما يعني وبتبسيط شديد أن زمن التّصفح الأريحي المفتوح و”الثّرثرة المجانيّة” باتا من الماضي..! وأنّ ثمّة أثماناً للثّرثرة، وترف الالتصاق بالشّبكة والغفو في جنباتها، لابدّ من دفعهما!
توجُّهٌ استأثر باهتمام السّواد الأعظم من الجمهور الذي استنكر الخطوة المُزمعة، ورأى عبر وسائل التّواصل الاجتماعي أنّ القرار المزمع بتحويل الإنترنت المنزلي إلى بطاقات محدودة غالية الثمن؛ هو قرار بالغ الهشاشة وغير مسؤول لعدم ارتكازه على الرّائز الاجتماعي والاقتصادي الأُسري، ومطبوعٌ بذهنية تجاريّة محضة هدفها المزيد من جني الأرباح، ضاربةً عرض الحائط واقع المعيشة ومستوى الدّخل وكمّ المقيمين على خطوط الكفاف، إن لم نقل: خطّ الفقر..!
وثمّة من يعقد المقارنة بين نيّات القيّمين على لاسلكيّة حياتنا، وبين الآخرين؛ إذ يلفت إلى ما تعلنه كبرى الشركات العالمية مثل: (غوغل وفيسبوك) عن نيّتها توفير الإنترنت المجاني لكلّ شخصٍ بوصفه لا يقلّ أهمية عن الهواء في زمننا الحاضر، بينما أخذت فيسبوك مثلاً على عاتقها إتاحة خدمة التّعرّف إلى أقرب إنترنت مجانيّ من مكان وجودك..! إذ باتت إتاحة النت لكافة المستخدمين في العالم عن طريق “الوايرليس” في الأماكن العامة مقياساً ورائزاً حضارياً..! في حين كانت شريحة الطلاب والكوادر الفنية والأطقم التّعليمية الأكثر استياءً؛ إذ رأت أنّ الإنترنت فضاء وحقّ لكل مواطن في هذا العصر، وحق لكلّ طالب أو باحث عن معلومة، مُذكّرةً بالتّعليم الإلكتروني عبر الإنترنت، وحضور الحصص والدّروس والمؤتمرات والمحاضرات باتّباع أسلوب التّعليم عن بعد، واكتساب الخبرات في كثير من المجالات: الطبيّة خصوصاً، والعلميّة، والأدبيّة، والفنيّة عموماً. وكذا متابعو الفنّ السابع وأفلام أونلاين أيضاً، الذين عدّوا الخطوة المزمعة: تضييقاً ثقافياً..!
والحال أنّ وزارة الاتّصالات مدعوةٌ إلى مراجعة توجّهاتها المُزمعة، ودراسة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لسياساتها العتيدة على الجمهور، بما يتّسق وواقع الدّخل على الأراضي السّورية، والكفّ عن النّظر بعين واحدة قوامها: الاستئناس بأسعار دول أخرى، في ظلّ تعطيل العين الأخرى عن مقارنة دخلنا بدخل الفرد في تلك الدّول..؟!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com