تحقيقاتصحيفة البعث

واجهة طرطوس البحرية الشرقية وشارعها التنظيمي.. وعملية التقاص تتم بعكس المطلوب!

 

تثير طريقة التعاطي مع ملف الواجهة الشرقية لكورنيش طرطوس البحري “المعطلة” منذ أربعين عاماً، الكثير من التساؤلات، خاصة أن تعاقب العديد من المجالس المحلية، والمحافظين، والوزراء، زاده تعقيداً وحرماناً للمالكين، وضياعاً للفرص؟!.

واستكمالاً لهذه المشهدية المؤلمة جاء إحداث شارع تنظيمي يحاذي عدداً من مقاسم الواجهة الشرقية للكورنيش ليزيد الطين بلة، “كما يقولون”، ومماطلة للحلول؟!.

طبعاً تصدر هذا الملف أجندة رئاسة الحكومة خلال زيارتها لمدينة طرطوس نهاية العام الماضي، والتي أسفرت عن إعداد مذكرة مقترحات محددة لمجلس المدينة.

ماذا تقول المذكرة؟

تمتد واجهة الكورنيش الشرقية على طول 1910م بعرض ما بين 30 و130م موزعة على 35 مقسماً، وفي عام 1976 جمدت وزارة الإسكان والمرافق تراخيص البناء المطل على البحر بعمق يصل إلى 100م لإيجاد واجهة بحرية سياحية مميزة لمدينة طرطوس، وفي عام 1988 صدر المخطط التنظيمي، لكنه لم ينفذ بسبب اشتراطات احتوت عدداً محدوداً من المنشآت كالفنادق والمجمعات التجارية بعامل استثمار صغير، ومواقف سيارات بمساحات كبيرة، وساحات، وحدائق، وممرات، ما يفوت على المالكين الاستفادة من عقاراتهم، وأعيد إصدار المخطط التنظيمي في عام 2006 متضمناً تعديلات جوهرية ضمت العقارات المطلة على البحر ضمن 35 مقسماً بمساحة تتراوح بين 900 و 2500 م2، ورفع عامل الاستثمار إلى /5/، مع السماح بالاستخدام التجاري والسياحي والمكاتب، مع إضافة عامل 10% كعامل تشجيعي يضاف إلى عامل الاستثمار في حال إشادة منشأة سياحية، مع المحافظة على الشارع التنظيمي.

ورغم إيجابياته لم يتقدم أي ترخيص سوى ثلاث رخص تعود لبناء برجي متعدد الاستخدامات، والآخر لمشروع بناء فندق شيراتون طرطوس، والثالث لمشروع فندق أساس العائد لمجلس مدينة طرطوس.

أما سبب الإحجام عن تراخيص البناء فيعود لكون بعض المقاسم تتألف من عقارات بملكيات متعددة يجب دمجها، وتوحيدها، ومعالجة الفضلات لتحقق المقسم التنظيمي المطلوب، ولكن لم يتم الاتفاق بين المالكين لتوحيد العقارات.

وبنتيجة اعتراضات المالكين شكّل محافظ طرطوس لجنة لوضع رؤية وأسس لحل مشكلة الواجهة الشرقية للكورنيش البحري، وعرضها على الأهالي لأخذ موافقتهم لمتابعة العمل.

الشارع التنظيمي

تمت المحافظة على الشارع التنظيمي الذي يحاذي /5/ مقاسم من الواجهة البحرية بطول 300م، ويكتسح عقارات جزئياً أو كلياً، مشادة عليها أبنية مأهولة منذ أكثر من 50 عاماً، وتتخلله أملاك عامة وأخرى متنازل عنها مجاناً من قبل مالكيها.

وجهة نظر المدينة

صنفت المدينة مقاسم الواجهة الشرقية للكورنيش ضمن ثلاث مجموعات: تضم الأولى مقاسم مملوكة من قبل مالك واحد عام أو خاص، عددها 20 مقسماً عشرة منها مبنية سابقاً، وتقترح المدينة بخصوصها تطبيق قانون إعمار العَرصات، لكن الأزمة حالت بتأجيل تطبيقه، ويمكن إعادة العمل به.

وتضم المجموعة الثانية 10مقاسم يتألف كل منها من عدة عقارات مملوكة من مجموعة من المالكين، أو المدينة، والمقترح إعطاء مهلة 6 أشهر لمالكي العقارات لدمج وتوحيد عقاراتهم لاستكمال التراخيص، أو تطبيق قانون العَرصات 2008، البند 1 من المادة الخامسة المتضمنة تمكن الجهة الإدارية من استملاكها بقصد دمجها، وتوحيدها، ومن ثم بيعها بين مالكيها بطريقة المزاد العلني، على أن تضاف إلى القيمة التي ترسو عليها المزايدة نسبة قدرها 15% لصالح الجهة الإدارية لقاء النفقات الإدارية.

أما المجموعة الثالثة فتضم 5 مقاسم، كل مقسم منها يتكون من عدة عقارات، وكل عقار تملكه مجموعة من المالكين أو المدينة، يحاذيها الشارع التنظيمي الذي يكتسح عدداً من العقارات، والمقترح استملاك الشارع التنظيمي مقابل تعويض عادل، وتطبيق أحد الخيارين المقترحين السابقين لمقاسم المجموعة الثانية، أو تطبيق قانون تنفيذ التخطيط وعمران المدن لعام 2015 القاضي بإحداث منطقة تنظيمية تشمل العقارات المكتسحة، ورفع عامل الاستثمار إلى 6.5 للحفاظ على المساحات الطابقية المكتسبة وفق عامل الاستثمار الحالي 5 ليغطي المساحات الطابقية التي ستؤول إلى مالكي العقارات الواقعة ضمن المقاسم التنظيمية غير المكتسحة، ومن ضمنهم مجلس المدينة، لاسيما أن الموقع يستوعب رفع عامل الاستثمار إلى 6.5، أما المساحة الطابقية الإضافية الناتجة عن رفع عامل الاستثمار فتؤول إلى أصحاب الحقوق في العقارات المكتسحة، وتطبيق قانون إعمار العَرصات على المقاسم الناتجة عن المنطقة التنظيمية المقترحة.

حول التقاص

قام مجلس المدينة السابق بسلسلة قرارات وإجراءات أطلق عليها عملية التقاص بعيدة كل البعد عن التقاص حسب المجلس الجديد، حيث قام المجلس السابق عام 2012 بإيجاد حل لمشكلة العقارات المكتسحة بالشارع التنظيمي، والمقاسم الخمسة المحاذية (عقارات المجموعة الثالثة) من خلال تعويض مالكي العقارات المكتسحة بتمليكهم “بالتقاص” حصصاً في عقارات مدينة طرطوس ضمن المقاسم التنظيمية الخمسة التي تشكّل واجهة المقاسم، في حين المقصود إجراء مبادلة بين عقارات وأجزاء عقارات المالكين المكتسحة، وأجزاء عائدة للمدينة تقع على واجهة الكورنيش البحري مباشرة، حيث تأخذ المبادلة مفهوم البيع قانوناً، وحكمها حكم البيع التي تخضع لإجراءات البيع المحددة في نظام عقود الجهات العامة لعام 2004، وقد تم اتخاذ إجراءات وقرارات، وتشكّلت لجان تضم ممثّلين عن مجلس المدينة، ومحافظة طرطوس، ونقابات المهندسين، والمحامين، والمقاولين لتقدير القيم والأثمان، ومخاطبة وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ورئيس مجلس الوزراء السابق عن طريق المحافظ.

الرئاسة ترد

بتوقيع نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات عام 2014 على رد يتضمن الموافقة على تأييد طلب محافظ طرطوس على إجراء التقاص، بما ينسجم مع القوانين والأنظمة النافذة، وما فيه مصلحة الطرفين، ليتم استكمال إجراءات تنفيذ التنظيم أصولاً.

ونظمت صيغة مكتوبة للعقود المنوي إبرامها مع المالكين، ولم توقع رغم مضي أكثر من عامين ونصف على كتاب رئاسة مجلس الوزراء؟!.. ليتبيّن للمجلس الجديد أن تعليمات وبلاغات التصرف بأملاك المدينة هي تعليمات خاصة ببيع الفضلات، وأن المدينة ستخسر 2668م2، عدا كون الموافقة معلّقة على ثلاثة شروط؟. أمام ذلك فإن الحل من وجهة النظر الرسمية تطبيق القانون 23 لعام 2015 لضمان عدم خسارة 2628 م2، والمحافظة على حقوق المالكين المكتسبة، واقتراح زيادة عامل الاستثمار يؤدي إلى تنفيذ التنظيم في الواجهة الشرقية للكورنيش. واعتماد التقاص يحتاج لموافقة رئاسة مجلس الوزراء، وإعادة تخمين عقارات الشارع التنظيمي، والعقارات المملوكة للمدينة التي يمكن أن تؤول لبعض المالكين وفق الأسس المعمول بها لتسعير العقارات والفضلات بما يراعي الموقع الحيوي لها.

باختصار

إن الحقيقة الوحيدة الأكيدة أن واجهة كورنيش طرطوس البحري الشرقية شاهد على تجاذبات المصالح والنفوذ، على خلفية العجز الرسمي عن إيجاد حل لمشكلة شارف عمرها أن يُطبِق على نصف قرن؟!.

وائل علي