دراساتصحيفة البعث

حسابات السلطة والمعارضة في انتخابات تركيا

 

تشهد تركيا في الـ24 من حزيران القادم انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في “معركة تكسير عظام” يخطط لها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان منذ سنوات، وتجد المعارضة فيها فرصة لإعادة الحياة السياسية إلى سابق عهدها، عبر العودة إلى الحكم البرلماني وتقليص هيمنة الرئيس على مقاليد السلطة.

هذا هو توصيف الانتخابات التركية وهذه هي حال الأطراف الفاعلين والمؤثرين فيها، كل طرف يريد جعلها ساحة حرب مفتوحة لتحطيم منافسيه، أردوغان وجماعته وحزبه من جهة، والمعارضة التركية من جهة أخرى، لكن هل ثمة ما هو مختلف هذه المرة؟.

في واقع الحال، لا تبدو نتيجة الانتخابات، لا البرلمانية أو الرئاسية، محسومة بالنسبة لمن سعى من أجلها ونعني أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأن التوقعات الأولية تشي بأن المعارضة تخطط لكسب نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان كي تتمكن من معادلة نفوذه في حال فوزه بالرئاسة.

وبينما يركز أردوغان جهوده على الانتخابات الرئاسية، تخطط المعارضة للفوز بالبرلمانية، وبينما يرى أردوغان فوزه إشارة إلى رغبة الأتراك المضي بنمط النظام الرئاسي، تعد المعارضة العدة للعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني وإلغاء كل المراسيم المخالفة لذلك، والتي أصدرها أردوغان. من جانب آخر، تبدو الانتخابات البرلمانية تحديداً صعبة على أردوغان هذه المرة، وبشكل لا يشبه أي انتخابات سابقة، والسبب هو تكتل أحزاب المعارضة بهدف تحقيق نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان حتى تعادل نفوذ رئيس الجمهورية، وهو تكتل لتلك الأحزاب لم يصدف أن حصل منذ أن ظهر أردوغان على الحياة السياسية عام 2002، إضافة إلى أن الانتخابات الرئاسية بدورها لن تكون صيداً سهلاً بالنسبة لأردوغان والسبب هو أنها ستشهد منافسة قوية بسبب وجود منافسين ذوي شعبية واسعة، وبسبب خطة وضعتها المعارضة بعدم حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، ما يسمح بوجود جولة ثانية تتمكن فيها المعارضة من تحشيد كل الأصوات لصالح مرشحها الذي سيحصل على أعلى أصوات في الجولة الأولى، ووفق استطلاعات الرأي، يرجح أن يكون هذا المرشح هو محرّم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي.

يعد نموذج الاستفتاء الذي طبقته المعارضة كرد فعل على استفتاء إقرار “التعديلات الدستورية” هو كلمة السر الذي تعمل أحزاب المعارضة على استخدامه للفوز على أردوغان، وكلنا يتذكر أن حملة «لا» للتعديلات الدستورية التي استطاعت أحزاب المعارضة من خلالها كسب 48.6 في المائة من أصوات الناخبين، ومنع التصويت للتعديلات التي استهدفت الانتقال للنظام الرئاسي بنسبة كبيرة، وقد حصلت التعديلات على تأييد 51.4 في المائة، وكانت نتيجتها إنزال خسارة كبيرة بأردوغان وحزب العدالة والتنمية، وخاصة في معاقله الرئيسية في المدن الكبرى، وعلى رأسها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، ويبدو أن تلك الخسارة دفعت أردوغان إلى إعادة حساباته لمنع تكرارها.

مع ذلك، وبالرغم من أن قرار أردوغان في 18 نيسان الماضي إجراء الانتخابات في 24 حزيران القادم قد فاجئ المعارضة، إلا أن الأخيرة نجحت في لملمة صفوفها والتوافق على أقوى تكتل معارضة تشهده تركيا منذ عقود، وتعزز ذلك مع وصف المراقبين للانتخابات بأنها “معركة تكسير عظام”.

كانت مسألة تقديم الانتخابات إحدى أهم القضايا التي اشتغلت عليها المعارضة للنيل من أردوغان وحزبه، ولأن جدول الانتخابات كان مقرراً لها أن تجري في تشرين الثاني 2019 والسؤال لماذا يلجاً أردوغان إلى إجرائها قبل سنة ونصف من موعدها.

الواقع أن الظروف الاقتصادية الضاغطة حالياً داخل تركيا والخشية من أن تكون تلك الظروف أسوأ بكثير في تشرين الثاني 2019 هو أحد أهم الأسباب التي دفعت أردوغان إلى التبكير فيها، إضافة إلى الرغبة في تفكيك المعارضة بعد أن اعتقل قياداتها وسجن رموزها. لكن رد المعارضة يبدو أنه فاجأ أردوغان، ويبدو أن التكتيك المتبع هو عدم الزج بمرشح واحد من أجل أن يحصد مرشحو المعارضة نسبة أصوات أكثر مما يحصده المرشح الواحد، ومن ثم الانتقال إلى الجولة الثانية، وبالتالي، فإن صورة المرشحين للانتخابات الرئاسية تتضمن ست مرشحين هم: أردوغان مرشح «تحالف الشعب»، الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى، ومحرم إينجه مرشح حزب الشعب الجمهوري، وأكشينار رئيسة «الحزب الجيد»، وتمال كرم الله أوغلو رئيس حزب السعادة، ودوغو برينتشيك رئيس حزب الوطن، وصلاح الدين دميرتاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي السابق، وهو سجين حالياً بقرار من أردوغان.

مفارقة طريفة وغريبة أن يكون اسم التحالف الحزبي الداعم لأردوغان تحت عنوان “تحالف الشعب” وتحالف أهم أحزاب المعارضة تحت مسمى “تحالف الأمة” لكن الأهم أن تحالف المعارضة سيسمح في حال فوزها للمثلي الأحزاب الصغيرة بأن يصلوا إلى البرلمان، وهم نمط غير مألوف في تركيا التي تعتمد قوانينها حصة الأصوات كمؤشر لعدد مقاعد كل حزب في البرلمان، كما ستكون الانتخابات المقبلة هي الأولى التي تتزامن فيها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويسمح فيها للأحزاب بتشكيل تحالفات مؤقتة، مع إمكانية أن ينفصل كل حزب بمقاعده في البرلمان بعد دخوله.

وبعيداً عن تكتيك المتنافسين، تدور برامج الأحزاب حول الوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية وتراجع الليرة التركية والبطالة وارتفاع التضخم وديون الفلاحين وأسعار الوقود ومعاشات المتقاعدين وتحسين مستوى التعليم والعدالة الاجتماعية والنظام الرئاسي والحريات العامة والسياسة الخارجية وتدخل تركيا في دول الجوار.

عمر المقداد