تحقيقاتصحيفة البعث

بنك الطعام السوري مشروع خيري غير ربحي

 

لابد أن يستوقفك الاسم الغريب الذي تحمله إحدى اللافتات الموجودة في ساحة الجمارك مقابل المنطقة الحرة، وبالتأكيد سيدفعك فضولك لمعرفة ماهية هذا العنوان، نعم إنه بنك الطعام السوري، المشروع الذي يعكس صورة مشرقة عن السيدة السورية بنت البلد، كما يقال لها بالمعنى الشعبي، والتي قدمت منذ بدء الحرب على وطننا مثالاً على القدرة الكبيرة، والمرونة والديناميكية العالية التي لطالما تمتعت بها النساء السوريات.

سورية الأم “بتجمع أولادها”

مما لا شك فيه أن هناك فرقاً كبيراً بين من يشعر بحجم الألم والمعاناة لدى فئة واسعة من المجتمع، ويحاول بكل إمكانياته أن يقدم شيئاً مفيداً، ومن يدّعي الشعور بوجع غيره، ويكتفي بالكلام، في الوقت الذي يستطيع أن يقدم الكثير لو أراد، وما نعانيه في كل عام، ومع بداية شهر رمضان من مظاهر اجتماعية معيبة لا تراعي الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ  للكثيرين، وعدم الاكتراث، واللامبالاة المتمثّلة بحفلات ودعوات الإفطار والسحور لعلية القوم من فنانين، وتجار، ورجال أعمال، وغيرهم، والتي تقام في معظمها تحت عناوين  فضفاضة دعماً للفقراء والمحتاجين، وتصرف عليها ملايين الليرات السورية من دون أن تقدم شيئاً لصاحب الحاجة الأَولى بكل هذا البذخ، سواء كان هذا التصرف عن قصد أو غير قصد!.

لقد قامت مجموعة من السيدات السوريات بإطلاق مشروع دائم أطلق عليه بنك الطعام السوري تحت رعاية وزارة التجارة الداخلية التي أمنت الموقع والمواد، وإدارة جمعية صبايا العطاء التي تترأسها السيدة عليا خير بك التي كانت قد وضحت مسبقاً بأن المشروع مقتبس من فكرة عالمية موجودة  في العديد من دول العالم، إضافة إلى أن المشروع تعمل فيه شابات متطوعات من كل أطياف المجتمع السوري انطلقن من إحساسهن العالي بالمسؤولية تجاه من هو بحاجة للمساعدة، فهن يقمن بإعداد 500 وجبة طعام يومياً وبالمجان، وتقديمها للصائمين، ولكل من هو محتاج من أرامل معيلات، وأيتام، ومسنين من دون معيل، ومشردين، إضافة لأصحاب الإعاقة الجسدية التي تمنعهم من العمل، والإعاقات العقلية.

مشروع فريد يطبق للمرة الأولى في سورية

وفاء بكور، مديرة المشروع، أوضحت بأن السيدات اللواتي يعملن بالمشروع يبذلن جهداً كبيراً وبمحبة كبيرة، فهن يقضين وقتاً طويلاً حتى يتم الانتهاء من إعداد الطعام الذي يحرصن على أن يكون بمستوى النظافة والاهتمام نفسه، كما هو الحال في طعام بيوتنا جميعاً، فانطلاقة المشروع كانت مع بداية شهر رمضان لتقديم المساعدة للصائمين، وحتى لغير الصائمين، ولن يقتصر على شهر رمضان، بل سيستمر على مدار السنة، مضيفة بأن العمل يقتصر فقط على النساء، وبالتالي يضمن أن تنخرط الفتيات اللواتي قد يعارض أهلهن أن يتواجدن بالمكان نفسه مع الرجال بأن ينخرطن بسوق العمل،  وتعتبر السيدة وفاء أن هذا المشروع يحمل اسماً آخر هو بنك المحبة لما يعكسه من صورة حقيقية صادقة عن المجتمع السوري بكل أطيافه، فعلى سبيل المثال المسؤولة عن الطبخ السيدة انطوانيت المعلم  التي تصوم معنا، وأيضاً السيدة لوريس مقدسي، وغيرهما من السيدات لا يدخرن جهداً لإظهار هذه العلاقة الإنسانية المتميزة، ما يعكس المحبة التي لم ولن تخبو بين كل أطياف المجتمع السوري، لذلك نحن هنا أسرة واحدة قولاً وفعلاً.

اليوم لن يكتفي البنك بتقديم الطعام فقط، بل سيعمل على محاولة تأمين فرص عمل لمن يحتاج إن أمكن، وأيضاً سنعمل على إنشاء مشروع صغير يتضمن مكتبة تؤمن مكان للدراسة، مع تقديم المشروبات والطعام لطلاب الجامعة، ودون مقابل، إضافة إلى أننا سنقوم بتوزيع ملابس العيد للأطفال، والتي هي عبارة عن تبرعات من عدد كبير من الأشخاص الذين أحبوا أن يسعدوا الأطفال المحتاجين.

إن هذه الفعاليات والمشاريع الإنسانية تبيّن حجم الوعي والإحساس بالآخر، وبالتأكيد تظهر التماسك بين أبناء المجتمع السوري الذي صُرفت ملايين الدولارات لتدميره وتفتيت بنيته!.

 

لينا عدرة