ثقافةصحيفة البعث

“فوضى” تناقضات الحياة ومفارقاتها

 

“محكمة” الصوت القوي الذي يجلجل في فضاء القصر العدلي كان رسالة فوضى الأخيرة بأننا نحتاج إلى العدل، وليس كما ذكر المحامي راتب-سلوم حداد- في جملته التي أشارت بالتضاد إلى تلك الرسالة”البقاء للأزعر” بعد أن فهم اللعبة ومضى بها ليحافظ على حضوره، وقد ترك المخرج النهاية مفتوحة في إيجاده المنفذ القانوني الذي يوظّفه راتب وفق المنحى الذي يختاره في الصراع بين الخير والشر، لاسيما أنه يملك نوازع الخير كما ظهر في علاقته مع”أبو سامر” أيمن رضا بالوقوف إلى جانب العائلة حينما طردهم عديله من المنزل، وبوقوفه إلى جانب ختام- إمارات رزق- التي تعرضت للعنف من قبل زوجها.
في الوقت ذاته حمل راتب في داخله نوازع الشر الذاتي بعلاقته بالمرأة فهو لايؤمن بمؤسسة الزواج ودفع زوجته وابنته ومن ثم ابنه سالم للسفر إلى كندا، وتظاهر بمشاعر الحبّ لسلوى –ندين تحسين بيك- لكن الأحداث كشفت حقيقته حينما اعترف لها بأنه لايريد زوجة تعيش معه في منزل واحد، وإنما يريد أن يحبّ، والمفاجأة أن تصاعد الأحداث كشف أنه على علاقة مع عبير الفتاة الضائعة –ميرنا كوجك- ليثبت موقفه حقيقته بتلاعبه بمشاعر الأنثى وعدم التزامه واحترامه للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تتبع لأخلاقيات الرجل وسلوكياته وتنسحب على المجتمع ككل.
موقف زيدان –عبد المنعم عمايري- لم يكن أفضل من راتب فخلال المسار الدرامي للعمل دافع زيدان عن حبّه لفتحية وصمم على الزواج منها وحمايتها ووقف في وجه أخيه فارس- الذي ظُلم واعتُقل ليخرج فيجد حبيبته وخطيبته زوجة لأخيه- لكن المفاجأة أنه تخلى عنها رغم أنها مظلومة حينما عرف حقيقة تعرضها للاغتصاب فيتركها تواجه مصيرها المجهول وتدفع الثمن وحدها رغم أنها مظلومة برسالة مفتوحة بأن المظلوم في أغلب الأحيان لايجد من يسانده. لنرى صورة عن وحشية الرجل بتدمير حياة الأنثى من خلال الشاب الذي دخل إلى حياة ختام عن طريق النت وأقنعها بحبّه وبالهرب معه والهجرة ومن ثم حصولها على الطلاق، لتكشف الأحداث بأنه لص وكاذب. في حين كان موقف “أبو الخيل”-فادي صبيح- مختلفاً بعلاقته الحميمة والدافئة مع وصال- ديمة قندلفت – وإصراره على البقاء معها ومرافقتها بجلسات غسل الكلى وطلبه الزواج منها رغم رفضها بسبب مرضها، موقفه الإيجابي تجاه المرأة طغى على نوازع الشر الموجودة داخله بالعمل بالاتجار بالمخدرات، ومن ثم امتناعه عن ترويجها وتسويقها قبل أن تحضر لجنة مكافحة المخدرات في تفتيش مفاجئ، لتجد المحل خالياً من المخدرات في إشارة واضحة إلى التغيير في داخله ونزوعه نحو الخير.
إيجابية “أبو الخيل” تقاطعت مع سلوكيات أيمن رضا “أبو سامر” المهجّر والذي فقد عمله ومنزله، ومحمد خير الجراح جار فتحية الذي طلب من زوجته أن تهتم بها بغياب زوجها زيدان الذي يؤدي الواجب الوطني، تلتقي أيضاً مع إيجابية فارس بعلاقته مع دانا ووقوفه معها بالبحث عن أبيها.
مصائر شخوص فوضى عكست واقعية الحياة بكل تناقضاتها ومفارقاتها وصراعاتها بين الخير والشر، تقاطعت مع صور أخرى جسدت أيضاً واقع العنف والفساد والقسوة، لنعود إلى المحكمة وإلى حاجتنا إلى محكمة إنسانية عادلة في كل مناحي الحياة، والأهم محكمة الضمير في ذاتية كل فرد.
ملده شويكاني