ثقافةصحيفة البعث

“رائحة الروح” أفكار مستهلكة ومعالجة افتقدت للروح

 

يبدو أننا لم نكن مخطئين حين حذرنا قبل مرة من خطورة الانغماس المفرط في نشوة الفورة الدرامية المنفلتة من عقالها، إذ قلنا حينها أن هذا آت على حساب النوع والجودة، وأن أعمالنا السابقة قبل هذه الفورة كانت جيدة ومدروسة ومقنعة، ما يعني أن النجاح ليس بالكمية وإنما بالنوعية. فها هو العمل الدرامي الذي بثته شاشاتنا الوطنية (رائحة الروح) خلال شهر رمضان، تأليف أيهم عرسان وإخراج سهير سرميني، يأتي ليؤكد مخاوفنا وتوقعاتنا، ويثبت صدق كلامنا، العمل ككل افتقد عناصر التشويق والإدهاش والإبداع والإمتاع، وأؤكد على كلمة (الإقناع) التي وضعتها بين قوسين، إذ أن الكثير من المشاهد كانت رتيبة ومملة من جهة، وغير مقنعة وفاترة من جهة أخرى.

الفكرة الأساسية للعمل عادية، ومتواضعة ومطروقة أيضاً، وخطوط العمل باتت متشابكة فيما بينها، ولم تخدم العمل بشكل عام، ومما زاد الأمر سوءاً أن العمل جاء ليكرس مفاهيم شاذة ومغلوطة، لا تتناسب مع قيمنا الإنسانية الرفيعة تلك التي تدعو إلى كل ما هو جميل، فالمسلسل بدأ، ومنذ حلقاته الأولى بعرض فكرة الخيانة، وكيف خانت رنا أبيض (غادة) زوجها محسن غازي، حيث لم نعرف كيف بدأت العلاقة بينهما، وكيف توطدت حتى وصلت لهذا الحد، ثم هل من المعقول أن يتوسط الأخ الضابط وائل شرف في موضوع يعرف هو نفسه أن شقيقه متورط فيه، وقدم العمل أن الخيانة بهذه الطريقة باتت مشروعة، وكانت مشاهد اللقاءات بين نادر وائل أبو غزالة، وغادة رنا أبيض، خادشة للحياء، ولا تتماشى مع أخلاقنا التي تربينا عليها، أما مشهد الخطف الذي قام به الزوج المخدوع محسن غازي لغريمه نادر، كان سقطة كبيرة واضحة بالمسلسل، وكان حرياً بالمخرجة منحه تفاصيل أكثر بما يخدم الحدث، وبما يقنع المتابع الذي أصبح يميز بين الغث والسمين،  إضافة إلى أن دور الضابط كان فضفاضاً على الممثل وائل شرف، ولم تعطه المخرجة حقه، وبدا الدور كبيراً عليه، ولم يتمكن من إقناع المشاهد بأي شيء جديد، وبدا واضحاً بأنه ما زال متأثراً بمسلسلات البيئة الشامية بشخصية (معتز)، أما شخصية الممثل تيسير إدريس (أبو جواد) حيث حظي هذا الممثل بالكثير من مشاهد تناول الطعام، إضافة إلى أن عمله “كخضرجي” بالفترة الصباحية، وعامل نظافة ليلاً لم يوظف بما يخدم خطوط العمل، إضافة إلى أن موت شقيقه (هشام كفارنة) أبو بشير لم تقدم لنا المخرجة أسبابه، ولا مسبباته، غير أننا شهدناه نائماً في سريره، ومن ثم لفظ أنفاسه، ولم يقدم المسلسل أي شيء عن حياته، وكأن شخصيته كانت لكسب الوقت لا أكثر، أما شخصية الفنان فراس إبراهيم، ودوره كفنان ترك الكثير من إشارات الاستفهام، فكيف لفنان يحمل الكثير من الأحاسيس المرهفة، ولديه زوجة وفاء موصلي (وارفة) وهي طبيبة، يعيشان حياة لا تربطهما أي علاقة زوجية قوية كما قدمتها المخرجة، ورغم كل ذلك لم يقنعنا بأن تعاطفه، ومن ثم زواجه من خادمته( سميرة) هو الحل لمشاكله، لكن في الوقت ذاته نجحت المخرجة سرميني في تقديم بعض من مبادئنا عبر شخصية أبو صافي (نجاح سفكوني) الرجل العصامي، وابنه الصحفي الذي يحمل الكثير من المبادئ، والذي رفض العمل بشروط غير صحيحة.

عموماً غالبية الممثلين لم يوفقوا في أداء أدوارهم، حيث بدوا مشخصين وليسوا مجسدين، رغم أن أغلبهم يعد من نجوم الدراما السورية، ولعل مخرجة العمل تتحمل الكثير من المسؤولية عن هذا الضعف لعدم تمكنها من وضع الممثل المناسب في المكان المناسب. فهل نصحو قبل فوات الأوان، ونستشعر أن الدراما السورية تعيش إشكالية بسبب نهمنا المادي، ونبحث عن مسلسلات تحمل أفكاراً تلامس هموم وشجون مواطننا العادي الذي يعيش في ظروف تحتاج لحلول جديدة بعيداً عن الأفكار البالية والمستهلكة التي تشكل عبئاً ثقيلاً على النفوس.

مهند الحسني