أخبارصحيفة البعث

عندما يبتز ترامب “الناتو”

 

عندما يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالهجوم المباشر على الحلفاء في قمة الناتو، التي عقدت الخميس الفائت في بروكسل، فإن هذا مؤشر قوي على أن الرجل لديه نوايا، ولو كانت غير ظاهرة، على الانسحاب من الحلف الذي أصابه الهرم، أو على الأقل تقويض وحدة الحلف، وهذا هو السؤال الذي تهرّب منه الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ خلال منتدى أمني نظّم على هامش القمة، مكتفياً بالقول: إنه لا يريد تلقين أحد دروساً.

الكلام الدبلوماسي لـ “ستولتنبرغ” جاء متناقضاً مع افتتاح القمة، حيث بدأ ترامب بتلقين الدروس، وحتى التهديد بالقول: إن بلاده تحمي ألمانيا وفرنسا وأوروبا، ولن ترضى بما تنفقه على الحلف الأطلسي، وبالطبع هذا يشي بأن صاحب البيت الأبيض يريد ابتزاز الأوروبيين، الأمر الذي يلقى ترحيباً كبيراً لدى الرأي العام الأميركي، وبخاصة ناخبي ترامب المتشددين.

في مقابل هذا التهديد يحاول معظم أعضاء الحلف  تجنّب المواجهة المباشرة، واللجوء إلى الأسلوب الموارب في التعامل مع ترامب بازدراء، فقد تجنّب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الالتقاء به ومصافحته، في حين استخف به رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال، فغاب عن استقباله في المطار، وهذا التصرّف يدل على مستوى التقدير المتدني الذي يكنه الأوروبيون للرئيس الأمريكي، خاصة أنه جعلهم يراهنون على مغادرته البيت الأبيض بعد سنتين.

وكي لا يتم تحميل ترامب مسؤولية الطعن بالحلف فقط، فإن هذا الحلف الذي تشكّل بعد الحرب الباردة أصابه التفكك، وحصد كثيراً من الفشل في جميع تدخلاته الخارجية، وخاصةً في حربه على أفغانستان، وفي الحرب على ليبيا، وبالتالي فقد مبرر وجوده، بحسب عدد كبير من المحللين.

هذا التفكك يدركه ترامب جيداً، لذلك نراه ينجح بابتزاز حلفاء واشنطن التقليديين، وهو لم يخفِ مشاعر العداء للاتحاد الأوروبي ولحلف الناتو على السواء، والتشكيك بقدرات أوروبا الدفاعية، فقد استنتج معهد “راند” المقرّب من البنتاغون أن الوضع الراهن يَحول دون قيام حلف الناتو بالدفاع عن أراضي معظم أعضائه، لكن هذا التهويل الأميركي يدركه الأوروبيون، ويرى العديد منهم أن ترامب لا يتعدى كونه ممثلاً تجارياً لتسويق الصناعات العسكرية الأميركية، ويدفع باتجاه زيادة الأوروبيين لميزانياتهم العسكرية لشراء معدات أميركية بشكل خاص، بالإضافة إلى أن استيراد أوروبا الغاز الطبيعي من روسيا شكّل عاملاً إضافياً للهجوم الأميركي عليها، كون ترامب ينطق بلسان الصناعات النفطية والغاز الطبيعي الأميركي في محاولة لإقناع الأوروبيين بالإقلاع عن استيراد الغاز من روسيا واستبداله بالغاز الأميركي.

ولهذا فإن انسحاباً جزئياً للقوات الأميركية من أوروبا أمر وارد، رغم أنه يتعارض مع رأي القادة العسكريين والنخب السياسية التقليدية، لكن ترامب يستخدم هذا التهديد أينما لزم لممارسة مزيد من الضغوط على دول الحلف ليس إلا، فهو ليس بوارد تنفيذ تعهده بإلغاء الحلف، ولا سيما أن الأمر ينطوي على جملة من التعقيدات السياسية واللوجستية وموازين القوى الداخلية، فضلاً عن العامل الزمني.

بيد أن التلويح بذلك يبقى سوطاً مسلّطاً على الأوروبيين، أو على الأقل بناء قوى متعددة داخل الحلف الواحد، تكون واشنطن فيها القوة الراجحة، وليست الأوحد بعدما تعددت المصالح الاقتصادية في العالم، ولم تعد محصورة في نطاق أيديولوجي، وليس أدل على ذلك من تصريح رئيس بلغاريا رومن راديف: “حلف الناتو ليس بورصة مالية يستطيع المرء فيها شراء الأمن.. لكن وعلى الطرف المقابل، فإن الرئيس ترامب محق، إذ ينبغي على كل دولة بناء قدراتها الفعالة بمفردها”.

علي اليوسف