رأيصحيفة البعث

القانون العنصري والقراءة المبتورة

 

يندرج القانون الإسرائيلي العنصري الجديد الذي أقرّه الكنيست الصهيوني مؤخراً، في سياق سياسة عنصرية ثابتة، دأب كيان العدو على انتهاجها منذ اغتصابه فلسطين، ولقد كان من الطبيعي أن تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 القرار 3379 الذي أقر بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، فلم يترك الكيان الصهيوني جرماً عنصرياً، إلّا وارتكبه بحق العرب الفلسطينيين، ولو كان العالم محكوماً بالعدالة الدولية، لما تمكن ذلك الكيان من الاستمرار حتى اليوم، ولَلقي ما لقيه نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في جنوب أفريقيا. لكن غياب العدالة الدولية بسبب هيمنة الولايات المتحدة حليفة “إسرائيل”، وراعيتها، وتخاذل العرب، منع محاسبة هذا الكيان المجرم، بل وشجعه على الاستمرار في ارتكاب جرائمه العنصرية، وحتى القرار المذكور لم يتمكن من الصمود، إذ لم يلبث أن أُلغي عام 1991، أي إنه لم يعش أكثر من 16 عاماً لم يعرف العرب خلالها، بل لم يعملوا على استثماره في خدمة القضية الفلسطينية، وزادوا على ذلك بأن سهّلوا إلغاءه، وكان ذلك الإلغاء إحدى الضربات الموجعة التي تلقتها القضية المنكوبة بمن يُفترض أنهم أهلها وأصحابها، قبل أعدائها.

تخلّصت “إسرائيل” من القرار الكابوسي، وحدث بالضبط ما قاله ممثلها في الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ، يوم صدوره، وهو يمزق نصه: “الأمم المتحدة صاغت القرار، وهي نفسها من سيلغيه”!. واستمر الصهاينة في إصدار القوانين العنصرية التي بلغ عددها اليوم أكثر من مئة، ولذا فإن القانون الأخير ليس استثنائياً، لكنه الأكثر عنصرية، والأكثر تعبيراً عن حقيقة الكيان الكولونيالية، فضلاً عن طابعه الشامل، كونه يكرّس يهودية الدولة، واحتلال القدس، وثانوية اللغة العربية، ومشروعية الاستيطان.

ولا تنبع خطورة هذا القانون من أنه يجسّد عملياً العقيدة العنصرية الثابتة والنهائية للكيان الصهيوني الغاصب، ويفتح الباب واسعاً أمام قوانين أخرى لاستكمال مسار طمس الهوية العربية الفلسطينية فقط، بل ينبع أيضاً من تجاوزه التأثيرات العملية من قبيل التهويد وغيره، إلى محاولة التأثير في الوعي الفلسطيني، ونسف المرتكزات الثقافية والنفسية لتمسّك الفلسطينيين بوطنهم وهويتهم. إنه قانون يؤكد عزم كيان العدو على المضي قدماً في مشروع تصفية القضية الفلسطينية. وإقراره في هذا التوقيت لا يُخفي أن الصهاينة يرون أمامهم فرصة سانحة لتحقيق هدفهم، مستغلين حالة الانقسام الفلسطيني، والتواطؤ الرجعي العربي، وميزان القوة الدولي الذي تميل كفته لمصلحتهم، ولا شك أن القراءة الصهيونية للواقع هي قراءة مبتورة، لأنها قراءة لنصف الواقع فقط، أما نصفه الآخر الذي لا يريدون رؤيته، فهو النصف الذي لا يوافق هواهم، بل ويشكّل كابوساً حقيقياً لهم، وهو المتمثل بما يبديه الشعب الفلسطيني من مقاومة شعبية بطولية تؤكد أن لا قوانين، ولا إجراءات، ولا صفقات  كالمسماة “صفقة القرن” قادرة على تغيير إيمانه الثابت بأنه صاحب الأرض الحقيقي، واستعداده الهائل للتضحية في سبيل تحرير وطنه، وهو المتمثل أيضاً  بما يحققه الجيش العربي السوري الباسل من انتصارات باهرة في الجنوب، ما يعني أن كل أحلام الكيان الصهيوني قد ذهبت أدراج الرياح، وأن الجولان العربي السوري المحتل عائد لا محالة إلى الوطن. ذلك هو نصف الواقع الذي لا يراه الصهاينة، ولذلك فإن كل قوانينهم  العنصرية لا يمكن أن تنجح في تحقيق أهدافها، ولا سيما إذا تمكّن الفلسطينيون من إعادة توحيد صفهم الوطني  المقاوِم، أما بالنسبة لسورية، فهي دولة العروبة والمقاومة العائدة بقوة من معركة الانتصار على الإرهاب التكفيري وداعميه الإقليميين والدوليين، إلى حلبة الصراع العربي الصهيوني.

محمد كنايسي