أخبارصحيفة البعث

عيد الجيش .. رمز مهابة وفجر انتصارات!

 

د. صابر فلحوط
يهل عيد الجيش العربي السوري هذه الأيام، متساوقاً مع رفع الرايات والبيارق على ذرى الانتصارات التي تعمّ الوطن في شماله وجنوبه، وشرقه وغربه، بعد حرب وطنية عظمى خاضها الجندي العربي الباسل، حاملاً أوسمة البطولة من تراث أمّته العريق، تلك الأمة التي حملت إلى رفرف الخلود مواكب أبطالها وشهدائها، يتقدمهم النجوم الزواهر، خالد وطارق، وصلاح الدين، وسلطان الأطرش، ويوسف العظمة، وجول جمال، وجمال عبد الناصر وحافظ الأسد. كما تأتي ذكرى التأسيس لهذا الجيش حاملة شهادة الميلاد الممهورة بدم الرجولة والفداء من صخور ميسلون وامتدادها في الثورة السورية الكبرى التي كنّست الاستعمار الفرنسي وتعانقت فيها دماء الرجال الشرفاء في وطن الرجال في الساحل والجبل، والهضاب والبوادي والسهول وكل شبر صارمنبراً تتكلم فيه السيوف والزنود والإرادات التي توجت بالجلاء العظيم والاستقلال الناجز.
وقد كان لجيشنا وقفات رائعات وساطعات في المعارك الوطنية والقومية والتي سبق في ميادينها الحكومات التي توالت على الوطن بُعيد الجلاء، وبخاصة على صعيدين بارزين: الأول، مواجهة المعاهدات والأحلاف التي أراد عملاء الاستعمار وبقاياه تكبيل البلد فيها (حلف بغداد، فراغ ايزنهاور وفضائل التابلاين، إضافة إلى التمهيد لتمكين المشروع الصهيوني في فلسطين.
والثاني، الدور المفتاحي الكبير لجيشنا في تحويل شعارات الوطن، في الوحدة والعروبة إلى واقع تعيشه الجماهير في الشارع، والمدرسة، والجامع والجامعة والحقل، والمصنع، غداة أصبح هذا الجيش صخرة الأساس التي شُيّد عليها بناء الجمهورية العربية المتحدة حيث حققت الأمة عبر الوحدة بين سورية ومصر أغلى أحلامها وأنبلها.
ويوم انتكست الوحدة بالضربة القاصمة للانفصال الأسود، انبرى الجيش العربي السوري المسكون بالوحدة حتى الوجد والهيام، ليمارس دوره، كنواة صلبة، وطليعة مناضلة في مسيرة العمل القومي الوحدوي، حيث قام بتفجير ثورة الثامن من آذار 1963 بهدف إعادة الوحدة على ثوابت غير قابلة للاختراق أو الاهتزاز والنكوص متحالفاً بذلك مع القوى الوطنية والقومية والتقدمية في الشارع العروبي.
وقد حاولت ثورة آذار التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي تحقيق أي شكل ممكن من أشكال الوحدة التي لا شرط عليها سوى تحقيقها.. وقد كان اتحاد الجمهوريات العربية الأنموذج القومي الممكن، والذي كانت إنجازات حرب تشرين التحريرية تحت علمه.. وقد حقق جيشا سورية ومصر خلال الساعات الأولى من حرب تشرين “مفخرة الأمة في القرن العشرين” ما جعل مصير الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين العربية موضع سؤال كبير لدى جميع محلّلي السياسة في العالم !!.
ويوم قام السادات بمغادرة الميدان في الأيام الأولى من الحرب دون أية مبررات سوى الخضوع الذليل لتعليمات صديقة هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا آنذاك واصلت سورية بجيشها المقدام، وشعبها الجبار حربها على جبهة الجولان والتي استمرّت أكثر من مئة يوم حتى انتهت بتحرير القنيطرة ورفع العلم الوطني فوقها بيد القائد العام للجيش العربي السوري الرئيس الخالد حافظ الأسد.
واليوم ونحن على مرمى دفة حرب، أو خفقة قلب من النصر النهائي الذي أبدعه جيشنا العقائدي بعد اقتحامه قلاع المستحيل وخلعه أنياب الوحش الإرهابي التكفيري الرجعي، وبعد الانتصار في “أم المعارك” في الجنوب مقدمة لتحقيق النصر في آخر المعارك في الشمال “إدلب”، فإننا نتحدى التاريخ المنصف للأحداث الجسام في العالم، أن يغفل صور التضحيات الغوالي التي قدمها هذا الجيش الأسطوري في مواجهة هذه الحرب الكونية التي شنتها ودعمتها مئة وثلاثون دولة بكل ما احتقنت قلوبها من غلٍ وحقد ضد سورية العربية حضارة وتاريخاً وتراباً وتراثاً، وقد واجه هذا الجيش المدعوم بشعب لا أكرم ولا أعظم ولا أصبر، وقيادة تمثل أنبل معاني الكرامة، وأرفع درجات العبقرية في إدارة معارك السياسة والسلاح، إضافة الى رؤية ثاقبة وجسارة غير مسبوقة، من الحصارات، والعواصف والمؤامرات والأخطار ما لو صبت على الرواسي العوالي لتصدعت وتلاشت!!.
واليوم، ونحن نحتفل ونحتفي بعيد قواتنا المسلحة، ونترحم على أرواح شهداء شعبنا وجيشنا التي تطل علينا من عليائها في رفرف الخلود، لابد أن نمسح دموع الكبرياء عن أجفان أسر شهداء هذا الجيش، وأن نقاسمهم رغيف الهم والحزن الجليل لأنهم بما حملوا ويتحملون يمثلون الأمانة الأغلى في أعناق أبناء الوطن جميعاً.
فتحية الإجلال والإكبار والعرفان لجيشنا الذي دق عنق الإرهاب في البطاح العربية السورية نيابة عن العالم، وغيّر التوازن العالمي الإقليمي ووضع معالم جديدة لخريطة الكون عنوانها الكرامة، والمهابة والاحترام لمن جعلوا المستحيل ممكناً في الحرب الوطنية العظمى في سورية التي أبدعت معادلة جديدة للشعوب في إصرارها على حرية قرارها واستقلال إرادتها، رغم أنف الصهيونية العالمية، والإمبريالية الأمريكية والرجعية العربية المرتهنة لأعداء الأمة عبر تمهيدها لمرور “صفقة القرن” المدانة، والقانون العنصري الصهيوني المدمر لأحلام التحرير والعودة، والذي لن يمر مادام محور المقاومة يواصل نجاحاته في مواجهة الإرهاب.
ونحن نبارك عيد جيشنا العروبي، نستذكر قول “جدنا” المتنبي مخاطباً سيف الدولة الحمداني سيف العروبة غداة سيوفها أصبحت خشبا، وكأنه كان يقرأ طالع المستقبل حول الصلة بين القائد الذي واجه الروم قبل ألف عام في الشمال السوري، وقائد الجيش العربي السوري الذي أجهز على الإرهاب في أتون الحرب الكونية التي شنت على سورية العربية:
الجيش جيشك غير أنك جيشه
في قلبه ويمينه وشماله
يا من يريد رجاله لحياته
هذا يريد حياته لرجاله
أو تتساءلون، بعد، عن سر النصر في الحرب الوطنية العظمى في معادلة الشعب والقائد والجيش؟!