اقتصادصحيفة البعث

أسوة اقتصادية..!

تبرز لنا التجربة اليابانية وما تحمله من إنجازات أدهشت العالم بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وخروجها مكبلة بمعاهدات واتفاقات دولية تحول دون سيطرتها سياسياً واقتصادياً على المستوى الإقليمي لها أو العالمي، كنموذج اقتصادي تنموي يحتذى به. ويكمن سر هذه التجربة بـ”الاعتماد على الذات” في كل مفاصل النمو بدءاً من تربية الطفل وتنمية مهاراته العقلية والجسدية بشكل ينسجم مع قيم المجتمع وعاداته، وليس انتهاءً بالاهتمام بالبحث العلمي، وأثره غير المتناهي على مقومات التنمية ومتطلبات النهوض..!
لاشك أن اليابان أدركت أن المؤسسات التعليمية والبحثية ومخرجاتهما، هي الحاضن الطبيعي والفعلي للفكر والمعرفة، والأخيرة هي المحور الأساسي والمحرك الرئيسي للتطوير والقاطرة الأهم للتنمية المستدامة، وبالتالي فهي الثروة التي يجب استثمارها والاستثمار فيها، وخاصةً في إطار عملية إعادة الإعمار، وبالفعل استندت بإنجازاتها بشكل رئيسي على الجهود الوطنية، وأصبحت دولة اقتصادية بامتياز..!
ما سبق يضعنا على محك توطين التكنولوجيا التي باتت من مسلمات الحديث عن تطوير الصناعة بالمجمل، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إدراك نقطة جوهرية تتمثل بأنه يمكن الحصول على هذه التكنولوجيا من الدول المصدرة لها ولو نسبياً، ولكن هذه الدول ستحجب عنا المعرفة التي أسهمت في إنتاج هذه التكنولوجيا؛ ما يستوجب بالنتيجة توطين هذه المعرفة بناء على مقدراتنا الذاتية من خلال اعتماد البحث العملي كخيار لا بد منه في هذا الخصوص.
وثمة عوامل مساعدة لتوطين اقتصاد المعرفة الكفيلة بالمحصلة بتوطين التكنولوجيا كعامل بارز بتطوير العملية الإنتاجية، منها الكوادر البشرية الفتية القادرة على مواكبة التقدم العلمي، بالتوازي مع وجود عدة جهات علمية بحثية وسعة انتشار المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وتنوع الاختصاصات فيها، إلى جانب توفر عدد من الأساتذة المتخصصين من جامعات مرموقة، حيث إن سياسة الانفتاح العلمي على الخارج سمحت بانتشار طلبة العلم السوريين في مختلف جامعات العالم، أوثرت عودتهم إلى مؤسساتهم البيئة العلمية المحلية، وذلك وفق بعض التقارير الصادرة عن الهيئة العليا للبحث العلمي.
يبقى على الحكومة ممثلة بمؤسساتها المعنية الاقتصادية منها والبحثية من جهة، وقطاع الأعمال ممثلاً باتحاداته من جهة أخرى، جسر الهوة ما بين البحث العلمي والقطاعات الإنتاجية، فلا يعقل أن يبقى حال أبحاثنا قيد الأدراج لاعتبارات تتعلق بتزعزع الثقة بجديتها وجدواها، وكأنها خارج أجندتنا الحكومية وخارج مفاهيم قاموس صناعتنا الوطنية..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com