غزوان قهوجي: “السيرك الأوسط” كوميديا سوداء ناقدة
لماذا نحن بحاجة اليوم إلى المسرح أكثر من أي وقت مضى؟ بهذا السؤال بدأ المخرج غزوان قهوجي حديثه مع استمرار عروض مسرحيته “السيرك الأوسط” على خشبة مسرح راميتا، مبيناً أن درامانا والكثير من فنوننا تعاني اليوم من أزمات، ولذلك فإن العمل اليوم في المسرح يعني العودة إلى الجذر الأساسي لكل الفنون.. من هنا فإن إنجاز عرضه بالنسبة له لا يعني مجرد العودة إلى المسرح بمقدار ما هو خطوة إلى الأمام وبالاتجاه الصحيح.
المهرّج
ويشير قهوجي إلى فرقته الخاصة “فضا” التي تشكلت عام 1997 والتي قدم أعماله فيها من خلال تعاونه مع منظمات الشبيبة والطلبة والتي حصدت العديد من الجوائز، مبيناً أن أهم عروض الفرقة كانت مسرحية “المهرج” للكاتب المسرحي الراحل محمد الماغوط والتي شاركت في مهرجان الشباب المسرحي ونالت جائزة أفضل عرض وأفضل ممثل للفنان الراحل عثمان جبريل، ويأسف قهوجي لأن الفرقة حُلّت عام 2014 بسبب رحيل خمسة من أعضائها وهجرة عدد آخر منهم، مقرراً اليوم وبعد أن بدأ الوطن يتعافى إحياء هذه الفرقة التي عادت باسم “أسرة الفنانين المتحدين” من خلال مسرحية “السيرك الأوسط” عن نص “المهرج” ومقالات الماغوط الأخرى وعبر القطاع الخاص والمسرح الشعبي الأكثر جماهيرية لتقديم جرعة مسرحية بعيداً عن الابتذال والإسفاف والمفاهيم التي علقت بالمسرح التجاري من خلال الاقتداء بمسرح الشوك وبالتعاون مع بعض شركات القطاع الخاص، وبمشاركة وجوه معروفة من ممثلينا بهدف استقطاب الجمهور.
عرض جماهيري
وأكد قهوجي أن الأفكار الأساسية في العرض تصلح لكل مكان وزمان، ومع أنه يتفق مع من يقول أن التأريخ للحروب مسرحياً وفنياً لا يحدث أثناءها وأن أهم النصوص التي كُتِبت عن الحرب العالمية الثانية كُتِبت بعدها بسنوات، إلا أنه اليوم من الصعب تقديم مسرح خاص غريب عن الناس، لذلك أراد من خلال عودته للمسرح ملامسة أوجاع الناس، واضعاً نفسه مكان المتلقي الذي عاش الأزمة وصمد لسنوات طويلة، دون أن يعالج في مسرحيته الأزمة بشكل مباشر، طارحاً سؤال: “هل انتهت الحرب على سورية؟ وماذا يجب أن نفعل؟” موضحاً أن مسرحيته تتناول جزءاً من تاريخنا والخيانات التي تعرضنا لها، ولأن أعمالاً كثيرة تناولت ذلك كان لا بد لقهوجي من أن يطرح هذا الموضوع من خلال لجوئه إلى الكوميديا السوداء الساخرة الناقدة لأن الجهور يتقبل هذه الطريقة من خلال تقديم فرجة شعبية وعرض جماهيري يحقق المتعة للجمهور، موضحاً أن مفردات العرض المسرحي من نص وإخراج وتمثيل يجب أن لا تكون متعالية على الجمهور في المسرح الجماهيري.. من هنا اختار قهوجي نصوصاً للماغوط ابن الشارع السوري والذي كانت كتاباته تلامس الناس، مبتعداً بمفرداته إخراجياً عن الفذلكة والإسفاف لتصل الفكرة بسرعة إلى الجمهور.
الاقتداء بمسرح الشوك
وأكد قهوجي أنه ابتعد في عرضه عن كل المطبات التي وقع فيها المسرح التجاري من تهريج وإسفاف من خلال عودته لما قبل هذه المرحلة، من خلال اقتدائه بمسرح الشوك الذي كان قريباً من الناس، مستنداً عليه في طريقة التمثيل والكاركترات التي قدمها والبعد عن استغلال المرأة-الممثلة كسلعة، مبيناً أن الحُكم النهائي للجمهور بعد مشاهدته للعرض، منوهاً إلى أن المسرح التجاري وقع في مطب الإسفاف بسبب الوضع الاقتصادي في مرحلة الثمانينيات والتي تشبه حالنا اليوم من حالة الحصار التي نعيشها، وبعد التسعينيات حدث الانفتاح وتحوّل مجتمعنا إلى مجتمع استهلاكي لأن الضائقة الاقتصادية آنذاك التي مر بها الوطن كانت بحاجة لمتنفس من خلال المسرح التجاري في ظل عدم وجود فضائيات وانترنت، في حين أن جمهور اليوم لم يعد يريد هذا الإسفاف في المسرح وهو قادر بكبسة زر على أن يحصل عليه.. من هنا يجب -برأي قهوجي- أن نجعل المسرح خياراً من خيارات العائلة السورية، مشيراً إلى أنه كان كمخرج حريصاً في عرضه “السيرك الأوسط” على العمل على الممثل الذي هو أحد أهم مفرداته، ثم النص، مع تأكيده على حضور المخرج الذي كان غيابه أحد مشاكل المسرح التجاري في فترة من الفترات، الأمر الذي جعل الممثلين يتصرفون على هواهم دون إدارة حقيقية من المخرج، موضحاً أن عرضه تتوفر فيه كل العناصر الفنية بقيادة مخرج يقدم مقولات واضحة عبر ممثلين ونص قام بإعداده دون الابتعاد عن فكر الماغوط وهو القارئ النهم لكل ما كتبه.
أبراج عاجية
وليزدهر القطاع الخاص في المسرح وبالشكل المقبول ويصبح شريكاً لمسرح الدولة يحتاج برأيه لدعم، مؤكداً أن مديرية المسارح والموسيقا لم تقصر معه حين إنجازه لعرضه ضمن إمكانياتها المتاحة، مبيناً أن ازدهار المسرح يحتاج لوجود بنية تحتية من المسارح، في الوقت الذي ما زال عددها محدوداً في عاصمة كدمشق، وغياب المسارح أهم مشكلة برأيه يعاني منها مسرحنا، مشيراً كذلك إلى ضرورة دعم الفعاليات الاقتصادية للمسرح، منوهاً إلى أن عرضه تلقى تمويلاً متوسطاً من بعض الشركات الخاصة التي رضيت أن تغامر معه، في الوقت الذي يجب فيه أن تفكر جميع الفعاليات الاقتصادية بحالة الدعم المجتمعي، كما يؤكد قهوجي على دور المسرحيين في أن يقدموا أعمالاً تخدم مصالح الفعاليات الاقتصادية دون الإساءة لأعمالهم، وكذلك تقديم أعمال بعيداً عن التنظير وتحمّل أعباء بروفات العمل المسرحي والعمل مع مخرج يعرف ما يريد ضمن روح الفريق، ويأسف أن ذلك غالباً لا يحدث لأن بعض مسرحيينا مازال يعيش في برجه العاجي، والبعض الآخر يعيش على أمجاده الغابرة، وعلى مقولة أن العمل في المسرح لا يطعم خبزاً، في الوقت الذي يمكن فيه تقديم فن متقن يمكن العيش من خلاله، ولذلك مازال قهوجي يجرب ويغامر طالما أن لديه قدرة على العمل في المسرح.
ويحسب قهوجي لمديرية المسارح والموسيقا أنها كانت –تقريباً- الجهة الوحيدة المنتجة للمسرح في فترة الحرب وهي تحتاج اليوم لوجود شريك لها في هذا المجال رغبةً في استمرار ألق المسرح السوري، ولأهمية سدّ الفراغ الذي تركه المسرح الخاص بدلاً من تركه لآخرين لا همّ لهم سوى الربح، ولذلك يعتب على العديد من الممثلين الذين اعتذروا عن عدم المشاركة في عرضه خوفاً من الوقوف على خشبة المسرح أمام الجمهور، في حين أن البعض انسحب بعد فترة بسبب ضغوطات البروفات التي لم يعتادوها في الدراما التلفزيونية، مبيناً أن كل ذلك لم يمنعه من إنجاز العمل عبر ممثلين شغوفين بالمسرح، خاصة وأن سورية تملك طاقات هائلة من الممثلين، وبالتالي فإن اعتذار البعض وانسحابهم لم يعطل العمل الذي يضم اليوم خيرة الممثلين من نجوم ووجوه غير معروفة كان لديها شغف العمل على المسرح والإيمان بما تقوم به وكانت نداً حقيقياً للأسماء المعروفة، معترفاً قهوجي أن النية كانت موجودة لديه بجمع جيلين من الممثلين المحترفين، المعروفين وغير المعروفين من الوجوه الشابة الذين استطاعوا بشغفهم وحبهم للمسرح أن يقنعوا النجوم بأنهم أهل لهذا المكان، في الوقت الذي اكتسبت فيه الوجوه الشابة الخبرة والفائدة.
ويبين قهوجي أن حلمه اليوم أن يتحول تجمّع “فضا” النقابي إلى مدرسة تتصدى للعديد من التجارب الفنية، إلى جانب المسرح الذي هو الشغف الأساسي، منوهاً إلى أن بعض أعضائه ما زالوا مستمرين في تقديم أعمال هذا التجمع في المهجر ونجحوا في النمسا وهولندا، واليوم التحضيرات جارية لتقديم مشروع دخول غينيس بأبعد عرض مسرحي يتم تقديمه في أمستردام ودمشق عبر ممثلتين بذات الوقت، مذكراً بأن عرض “السيرك الأوسط” وبعد تقديمه في دمشق سينتقل لبعض المحافظات السورية.
و”السيرك الأوسط” من بطولة الفنانين: محمد خير الجراح، ليث المفتي، أريج خضور، رائد مشرف، داود شامي، زهير بقاعي، ربى طعمة، باسل الرفاعي، محمد أيتوني، سمير الشماط، محمد سويد والطفل الطارق قهوجي بالاشتراك مع فرقة خطى للمسرح الراقص وعروضها مستمرة يومي الخميس والجمعة، ويومياً طيلة أيام عيد الأضحى المبارك.
أمينة عباس