دراساتصحيفة البعث

استراتيجية “أطلسية” جديدة في خدمة أمريكا

عائدة أسعد

يكشف المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو عن النوايا الفعلية للتحالف العسكري، والمتمثلة بالتحريض، وشيطنة الدول الأخرى، واستغلال المنظمة للحفاظ على هيمنتها في جميع أنحاء العالم.

فقد وافق قادة الناتو في قمتهم التي استمرت ثلاثة أيام، واختُتمت في مدريد يوم الخميس الماضي على المفهوم الاستراتيجي لعام 2022، وهو مخطط يحدّد أهم المتطلبات والتحديات للعقد المقبل، ويحدّد الموقف المشترك للحلف بشأن التحديات الناشئة، حيث وصف روسيا بأنها التهديد الأكثر أهمية ومباشرة لأمن الناتو، واتهم الصين بفرض تحديات منهجية لأول مرة.

كأحد مخلفات الحرب الباردة أصبح حلف الناتو -الذي كان يجب أن يتفكك منذ فترة طويلة- أداة يدوية للولايات المتحدة لاحتواء دول أخرى ولاسيما الصين وروسيا. ومن الواضح أن الوثيقة الجديدة التي تغطي أولويات وأهداف الحلف للسنوات العشر القادمة قد صمّمت بالفعل لتوجيه الناتو حول كيفية خدمة الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المستقبل.

لقد حاولت الولايات المتحدة من خلال وثيقة الناتو المحدثة تحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية، وهي إثارة المواجهة بين أوروبا وروسيا لإعاقة روسيا باستمرار، وحثّ أوروبا على تعزيز دفاعها، واستخدام الموارد الأوروبية لتخفيف الضغط على الدفاع الأمريكي في أوروبا، وإجبار حلفاء الولايات المتحدة على التكاتف ضد الصين.

وعلى الرغم من ادّعاء الناتو أن موقعه كحلف إقليمي لم يتغير، إلا أنه فعل العكس تماماً، ففي منطقة آسيا والمحيط الهادئ انضم التحالف إلى الولايات المتحدة من أجل تنفيذ إستراتيجية الأجندة المناهضة للصين من أجل الهيمنة الغربية في المنطقة. كما أنه في السنوات الأخيرة، عمل بعض أعضاء الناتو أيضاً مع الولايات المتحدة لإرسال طائرات وسفن حربية إلى المياه المجاورة للصين للقيام بعمليات عسكرية في محاولة لإذكاء التوتر وإثارة الصراعات.

ومع ذلك، فإن النوايا الخبيثة للولايات المتحدة وحلف الناتو وأفعالهما قد أثارت يقظة ذوي البصيرة في جميع أنحاء العالم الذين عارضوا علناً توسع الناتو بقيادة الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ودعوا إلى تعزيز التعاون مع الصين.

يقول خافيير سولانا الأمين العام السابق لحلف الناتو: “إن توسع الناتو وسعيه إلى وجود أقوى في آسيا سيجعل من الصعب على أعضاء الناتو التفاعل مع الدول الأخرى التي لا ترى الصين أو روسيا كأعداء أو خصوم، والذين لا يريدون الانحياز إلى أي طرف بين الصين وروسيا والغرب، وحذّر سولانا من أن الناتو العالمي أو الناتو الإضافي يمكن أن يقسم العالم إلى كتل متناحرة”.

يذكر أن موقع “بوليتيكو” أكد أن أعضاء الناتو تفاوضوا قبل إصدار المفهوم الاستراتيجي الجديد حول اللغة التي تصف القضايا الأمنية التي تطرحها الصين على المنطقة الأوروبية الأطلسية، مع تجنّب الخطاب الذي قد يعتبره بعض الحلفاء مثيراً للانفعال.

لقد أثبت التاريخ أن التعاون متبادل المنفعة فقط بدلاً من لعب سياسات الكتلة هو الذي يمكن أن يكسب دول المنطقة، وبالتالي فإن نوايا واشنطن الجيوسياسية التي تخدم مصالحها الذاتية، ومحاولاتها الشرسة لدق أسافين في جميع أنحاء العالم، محكوم عليها بالفشل.