ثقافةصحيفة البعث

إعلامنا في الهموم حلقوم وعند النجاح مزموم

 

اتسعت فسحة تفاؤلنا بالتطور الكبير الذي لحق الدراما الوطنية كماً ونوعاً لسنوات طويلة مضت، وهذا التألق لم يأت في يوم وليلة، ولم يكن نتاجاً لضربة حظ، وإنما جاء نتيجة تضافر عوامل كثيرة ساهمت في تطور الدراما السورية بجميع مفاصلها من فنانين ومخرجين، وقد كان للإعلام الوطني دور كبير في تسليط الضوء على الدراما السورية من خلال نقله عبر وسائله المرئية والسمعية والمكتوبة أخبار هؤلاء الفنانين وأعمالهم.
لكن يبدو أن العلاقة التي تربط الإعلام بالفنانين بات يشوبها الكثير من المنغصات، وأضحت الفوقية السمة الأبرز لهذه العلاقة ما أدى إلى انقطاع حبل الود بين بعض من الفنانين مع الإعلام الوطني، رغم أن هذا الإعلام له الفضل الكبير في إيصالهم للناس، وهو الذي أحاط علماً بمنجزاتهم كونه وسيلة لنقل هذه السعادة إلى الآخرين. ومع تخبط هذه العلاقة وعدم استقرارها، بات الحصول على إجراء مقابلة صحافية مع أحد الفنانين أشبه بضرب من ضروب المستحيل، رغم أنهم يتحفوننا في كل مناسبة بشعارات رنانة وطنانة واصفين علاقتهم مع الإعلام الوطني بأنها جيدة ولا يشوبها شائبة، وأنها مبنية على أسس قوية، لكن تبقى هذه الشعارات في إطارها الكلامي ولا يمكن أن ينفذ منها إلا القليل، وأكبر دليل على صحة ما أشرنا إليه هو الهروب الدبلوماسي لبعض الفنانين من إجراء أي لقاءات صحفية مع الإعلام الوطني، فما إن تلتقي مع أحد الفنانين حتى يقاطعك بسيل من الأعذار والحجج الواهية معتذراً بطريقة مكشوفة، وإن كان الصحافي محظوظاً يأتيه الجواب للتو (عليك مراجعة مدير أعمالي) للتنسيق معه، وهنا الطامة الكبرى، فهؤلاء المدراء ما إن تتحدث إليهم حتى ينهالوا عليك بالأسئلة الغريبة العجيبة (ما نوع الأسئلة، هل هي شخصية، وهل، وهل…) وأسئلة كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، طبعاً هؤلاء المدراء ارتضوا لأنفسهم دور البوق القابل للاستخدام المزدوج، وفي اتجاهات متعددة دون أن يكون لتواجدهم إلى جانب الفنان سوى “البرستيج” وحب الظهور.
جميل أن يكون لكل فنان مدير أعمال أو منسق إعلامي، بشرط أن يكون من أهم أولوياته نقل أخبار الفنان بطريقة محترمة، وبما يعكس الوجه الحقيقي للفنان، وليس بطريقة التعالي، والنظرة الفوقية، والتلفظ بألفاظ خادشة للحياء أحياناً مما يسيء للفنان نفسه، ومما لاشك فيه أن العالم يتغير كل لحظة، وأن الوعي يتبدل تبعاً لصيرورة الزمان فتتأثر أفكارنا وقناعاتنا وما كنا نراه حقاً في الأمس قد نراه اليوم باطلاً، ويبدو أن نظرة بعض الفنانين قد تغيرت قناعاتهم فأصبحوا يرون العلاقة مع الإعلام الوطني بشكلها المقلوب، ما أدى إلى إحداث شرخ كبير، وبات البون شاسعاً من الصعب رأبه في ظل هكذا علاقة يشوبها الكثير من الفوقية، وعلينا أن نذّكر أننا كإعلام وطني ملتزم لنا الشرف أن نكون خط الدفاع المنيع ضد كل مظاهر الفساد، وأن نكون قلعة يحتمي بها كل مواطن لإيماننا بدورنا الريادي في إعادة الأمور إلى نصابها.
لابد أن نذكر أن الفن وليد الواقع ومرآته ومن يرغب بالانسلاخ عن بيئته ومجتمعه مصيره الفشل والسقوط، ومن يتوهم أن تعيينه لمدير أعمال أو منسق إعلامي ليزيد الحواجز بينه وبين محيطه، نذكره بأن التجارب وضعت الغرور في مستنقع لا مخرج منه، وكل خطوة إضافية فيه تعني الغرق، والبعد عن الجمهور مقياس النجاح الأول والأخير، ومن ارتدى ثوباً غير ثوبه متنكراً لبيئته وجمهوره الذي جعله نجماً سيضيّع خطوات الجواد، ولن يتقن خطوات الغزال.
مهند الحسني