ذكاؤها مرهون بخدماتها البطاقة الذكية.. خطوة متقدمة نحو منع الهدر وعدالة توزيع المحروقات أم شيفرة في الاتجاه المعاكس؟!
تقول التعليمات الجديدة للجنة المحروقات في السويداء: إن الحصول على مازوت التدفئة يتم حصراً عبر البطاقة الذكية، وإلا على المواطن تحمّل تبعات البرد، وفي الوقت ذاته تقول الأرقام: إن عدد الأسر الحاصلة على البطاقة لا يتجاوز 40 ألف أسرة من أصل أكثر من 100 ألف أسرة حصلت عليها من منفذ البيع المخصص لتلك البطاقة.
لن نتحدث عن بطء الشركة المنفذة للبطاقة، وآلية عملها، وهي من “تفرعنت وما حدا ردها” كما يقال، ولكن نتساءل: ما هي أهمية هذه البطاقة؟ وما هي الخصوصية التي تحملها لمالكيها؟.. هل تشكّل حقاً خطوة نحو الحكومة الالكترونية، أم أنها مجرد تسجيل مبادرات وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع؟!.
قصة البطاقة
يروي الإعلامي إحسان عبيد قصته في الحصول على البطاقة الأسرية الذكية فيقول: إنه بعد انتظار ثلاث ساعات ونصف، وعندما كدت أحصل على الكرت الأصفر الخاص بالغاز والمازوت، طلبت مني الموظفة أوراق السيارة لتتأكد من التأمين، ولا أدري العلاقة بين جرة الغاز وتأمين السيارة، ولم تكن السيارة معي، ولهذا السبب أوقفوا بطاقة البنزين عن العمل.
وأضاف: توجهت في اليوم التالي صباحاً إلى الشركة، فالعيد على الأبواب، ولا بنزين عندي، ليقول له الموظف إنه لن يحصل على دور لغاية نهاية الدوام، حيث عليه انتظار 5 ساعات غير مضمونة النتائج، ليرفع صوته محتجاً، ويبدأ سجالاً مع موظف الشركة مطالباً باحترام المواطن، ومعرفة مشكلته!.
طبعاً كلام عبيد هذا يدل على حجم المطالب والأوراق المطلوبة للحصول على بطاقة المازوت، أو إعادة تفعيل بطاقة البنزين، لا يكتفي بذلك بل أضاف متسائلاً بأنه أمام الأرباح الكبيرة التي تجنيها الشركة أليس حرياً بها تقديم خدمة لائقة للمواطن تخفف عنه جزءاً من حجم المعاناة التي يعانيها من تلك القرارات، لدرجة أن على المواطن انتظار دوره على أرصفة الشارع الخارجي، والمنتظرون لا يعرفون دورهم، لأنه لا توجد لوحة رقمية يقدر من خلالها الإنسان متى يأتي دوره، في وقت من المفترض فيه أن يكون هناك موظف أو أكثر للتعامل مع كبار السن، ووجود لوحة طولها متران بعرض متر، وبخط واضح، تبيّن الأوراق المطلوبة من المراجع الخاصة بالغاز، والأوراق الخاصة بالسيارة.
ويتساءل عبيد: هذه الشركة الخاصة تأخذ أضعاف أجرتها لتقوم بخدمة ممتازة، والمفروض أن العقد معها فيه شروط جزائية، والإخلال بها يتطلب العقوبة، فهل الجهات المعنية تعلم باستهتارها كعدم خدمة الكراسي، وعدم وجود اللوحة الرقمية، وعدم وجود موظف استعلامات، ولوائح إرشادية، وقلة عدد الموظفين، وعدم تخصيص خدمة مميزة للمرضى والعجزة، وعدم وجود صندوق شكاوى؟!.
ويتابع عبيد: إذا كانت هذه الجهات لا تعلم فتلك مصيبة، أو كانت تعلم فالمصيبة أكبر، والتفسير الوحيد لذلك أنها لا تجرؤ على إزعاج موظفي الشركة.
بصمات وتصوير
قصة عبيد هذه تتكرر مع كل مواطن يذهب للحصول على البطاقة الذكية بشكل أو بآخر، وهذا ما أفسد جوهر البطاقة ورونقها، يقول نبيه السعدي مبدياً رأيه بالبطاقة الذكية: أنا أحمل بطاقة مازوت التدفئة، ولا أعلم ما هي مخصصاتي؟ وهل أستطيع استجرارها دفعة واحدة عن كل أشهر الشتاء، أم استجرار حصة كل شهر فقط معبأة “ببيدونات”؟.
الهدف منها
الكلام كثير حول البطاقة والحصول عليها، ولكن هل “بعد الشقا بقا”، كما يقول المثل الشعبي، بمعنى آخر: هل خدمات البطاقة الذكية تستحق كل هذا العناء والشقاء؟!.
عضو المكتب التنفيذي المختص حسين صافي بيّن أن الهدف الأول من إطلاق مشروع البطاقة الذكية هو أتمتة عملية توزيع المشتقات النفطية، وإيصالها للمواطنين بسهولة ويسر، وبطريقة حضارية بعيداً عن الهدر والتلاعب بها، وهذا يساهم بتحقيق وفر على خزينة الدولة بملايين الليرات جراء عملية الضبط هذه، حيث كان الفارق واضحاً في الكميات التي تم توفيرها جراء استخدام البطاقة.
وبيّن صافي أن محافظة السويداء بدأت بتجربة البطاقة الذكية للسيارات العاملة على البنزين، حيث تم تخصيص كميات شهرية لكل آلية حسب الكميات الواردة للمحافظة، ومن ثم تم إصدار بطاقة خاصة للآليات العاملة على المازوت، ويتم العمل حالياً على إصدار بطاقة أسرية سيتم فيها تفعيل مادتي مازوت التدفئة والغاز المنزلي كمرحلة أولى، وذلك لتأمين هاتين المادتين بطريقة لائقة وحضارية بعيداً عن الهدر والتلاعب بهاتين المادتين.
صافي أجاب عن تساؤل هام وهو الأفق المستقبلية لهذه البطاقة، حيث أشار إلى أن البطاقة الأسرية تحوي العديد من المواد التموينية التي يمكن تفعيلها مستقبلاً.
مرونة وتكيف
طبعاً لن نتحدث عن معاناة الحصول على البطاقة والأوراق والبيانات والمعلومات المطلوب تدوينها تحت عنوان براءة الفهم، بأن هذا الإجراء سيخدم الحكومة الالكترونية المستقبلية التي من المفترض أن تشكّل هذه البطاقة نواة لها، وإن كان الإجراء مقلوباً أو معكوساً، لذلك يبدو أن تمني المواطن ورجاءه يندرج تحت فكرة ذلك، أما مخاوفه فتندرج تحت “بريستيج” المبادرة الذي يطالعنا بها المسؤولون بين الفينة والأخرى، والتي لا تتعدى التجربة، وتحول المواطن حقلاً لها؟!.
يقول الخبير الاقتصادي حمود خير: إن أسلوب العمل بالبطاقة الذكية عمل راق ودليل فعلي على تقدم الإدارة بشكل عام، غير أن ذلك يتطلب كادراً خبيراً، وبرنامجاً معلوماتياً مستوعباً بكل مجالات العمل، بما فيها المرونة والتكيف مع كل طارئ، وفي نهاية الأمر وجود الإدارة الجادة والنزيهة.
متى تكون ذكية؟
ولكي تكون هذه البطاقة ذكية حقاً لابد من ميزات وخصائص يجب أن تتمتع بها إذا أراد القائمون عليها تحقيق الخدمات الذكية فعلاً لا أن تتعدى مجرد كونها صفقة تجارية كباقي الصفقات التي اعتاد المواطن أن يحترق بها، أو أن يكون وقوداً لها، وهنا لابد من الإجابة عن العديد من التساؤلات، أولها: لماذا لم “تشمّر” أي من الوزارات المعنية، سواء النفط، أو الإدارة المحلية، أو الاتصالات، عن ساعديها بالتصدي لهذه المهمة، والقيام بمهمة توزيع البطاقة، ألا توجد لدينا كوادر قادرة ومؤهلة؟ ثانياً ما هي الميزات التي تحملها البطاقة، أليس الأجدى أن تكون لها خصائص وميزات؟.. وهنا نقترح أن تكون الكميات المخصصة في البطاقة بأسعار مدعومة، مثال ذلك تخصيص كميات من البنزين والمازوت والغاز ضمن هذه البطاقة بسعر لا يتجاوز 50% من السعر الحالي، وقد تكون تلك المخصصات نصف حاجة الأسرة مبدئياً، أما النصف الآخر فيشتريه المواطن بالسعر الرائج حالياً ودون البطاقة، ومن ثم يمكن الانتقال لخدمات أخرى توفرها قاعدة البيانات التي تحويها البطاقة.
رفعت الديك