المرأة “المحافظ”؟!
رغم ما حققته المرأة السورية من حضور بارز في الحياة العامة، وتنامي مشاركتها بوجود منظومة حقوقية ودستورية وتشريعية ساوتها بالرجل في المواطنة، إلا أنها إلى الآن لم تحظ بعد بكامل حقوقها، ومازال الغبن يلاحق طموحاتها، ويشكك بقدراتها، وهذا ما يحرف مسيرتها باتجاه بعض مواقع القرار التي يحتكرها الرجال في بلدنا، فعلى سبيل المثال لم نر إلى الآن أية امرأة تتبوأ منصب “محافظ”، رغم امتلاكها فرص النجاح والعطاء في هذا الموقع بشكل يوازي الرجال، بل يمكن القول بنسب أخطاء أقل من المرتكبة حالياً، كونها، بحسب الدراسات، أقل فساداً، وهذا ما تثبته العديد من الشواهد والتجارب الداعمة لنجاح مساهمتها الفعالة والكاملة في الحياة بمختلف جوانبها، وفي صنع القرار على جميع المستويات، وهذا ما يعزز فرضية جلوسها على العديد من الكراسي المسؤولة في مجال الإدارة المحلية، ومنها موقع “المحافظ”.
طبعاً اختلاف ظروف الحياة من الناحية المعيشية الاقتصادية، والاجتماعية الأسروية، والتي نلخصها بعبارة “الظروف الاستثنائية “، لم يغيّر أو يبدل موقف الكثير من الرجال من دخول المرأة مجالات عمل جديدة كانت في الماضي القريب حكراً عليهم فقط، ولذلك يحاولون دائماً اصطياد تقدمها ونجاحها بصنارة التشكيك بقدراتها، واتهامها بشكل مباشر فيما يمس كرامتها وأنوثتها التي تصارع منذ زمن أكل التفاحة حتى هذه اللحظة، لتثبت أنها نصف المجتمع الذي كان ولايزال ضائعاً في زحمة التحديات والهموم، وخاضعاً لمفاهيم المجتمع الذكوري، وثقافة العيب التي تحلل كافة تصرفات الشاب، وتحرم بل تصادر أبسط حقوق الفتاة في ممارسة دورها كشريك فعال متحرر من تسلّط تلك العقلية الذكورية التي تضعها دائماً في المرتبة الثانية، وتقيد حريتها بمفهوم “ناقصة العقل”!.
ويتفق الجميع على أن سنوات الحرب كانت بمثابة امتحان حقيقي لإمكانيات المرأة التي اقتحمت ميادين العمل، وأثبتت، بشهادة المجتمع، أنها أكثر كفاءة وديناميكية في العمل، فلم يعد دورها مقتصراً على الوظائف المكتبية والإدارية، بل تخطته ليكون لها حضور حقيقي في ساحة العمل المهني، وأصبحت مفصلاً مهماً من مفاصل الحياة، كما كانت الشريكة الحقيقية المتواجدة جنباً إلى جنب مع الرجل في المعامل والمؤسسات، غير آبهة بصعوبات العمل، وهذا الاعتراف ليس من قبيل المجاملة، بل توثقه مواقع العمل المختلفة، بما فيها الأعمال الميدانية، أو المجهدة، فكانت المهندسة العاملة في مراكز التحويل، وفنية الكشف والتأشير، وعنصر الضابطة العدلية، وعاملة الإنتاج، والمديرة، وقبل ذلك كله الأم والمربية الفاضلة.
وقد يكون من الظلم الاستمرار في محاولات الطعن في أهليتها، والإمعان في مشروع استبعادها استناداً إلى تجربة فشل حضور المؤسسة النسائية ممثّلة بما كان يعرف بالاتحاد النسائي الذي لا يمكن إنكار دوره القيادي في فترات سابقة إلى أن رفعت أصابع الاتهام في وجه القيادة النسائية التي كانت أكثر عزلة وتقوقعاً في مكاتبها، ونخبوية في عملها، وهذا ما جعلها تفقد قاعدتها الشعبية ودورها كحاضنة وراعية لحياة النساء السوريات اللواتي لم تمد لهن يد العون في تلك الآونة، واقتصر العمل على بعض المبادرات المتواضعة التي لا تتناسب مع حقيقة الدور الذي كان من الممكن أن يلعبه الاتحاد النسائي في تغيير واقع المرأة، سواء من ناحية الدعم، أو من ناحية التوجيه والإرشاد!.
بالمختصر، لن نكون ملكيين أكثر من الملك في تفكيرنا ومواقفنا، ولن ندعي المناصرة الكاملة للمرأة التي قد تشوب أداءها بعض الثغرات، بل نطرح إخضاع تجربتها وقدراتها لاختبار جديد في مجال الإدارة المحلية التي تشكّل القطاع الأهم في حياة المواطن السوري؟!.
بشير فرزان