ثقافةصحيفة البعث

“النهوض من الرماد” توثيق تشكيلي للحرب

 

رمزت الفنانة التشكيلية الألمانية الراحلة وارسولا باهر التي توفيت في دمشق صباح افتتاح معرضها في الأوبرا إلى النهوض من الرماد بشقائق النعمان الحمراء التي ارتوت بدماء شهداء سورية، ومهدت الطريق ليعود الجندي البطل حاملاً بندقيته يسبقه الشوق للقاء أمه وقريته ومنزله بعد زمن صار فيه الموت عنواناً واسماً، بدا هذا واضحاً بلوحتها التي عنونتها باسم المعرض، الذي اتخذ الطابع التوثيقي التشكيلي لوقائع ومجريات الحرب الإرهابية على سورية، بأسلوب يمزج بين التعبيرية والانطباعية. والأمر اللافت أنها اعتمدت على هياكل الجموع لشغل حيز أرضية فضاء اللوحة موظفة أبعاد أفكارها في محيط اللوحة ككل، ليشغل القسم العلوي مفاتيح للتأويل والتفسير، فتبدو اللوحة برمتها صورة مصغرة عن المدينة المنكوبة أو عن موضع الحدث.
وتتضح جمالية لوحتها برسالتها الغامضة التي تقبع في جزء ساكن في اللوحة بعيداً عن مواجهة المتلقي لتسرد بالتشخيص والرمز واللون ما تود قوله، إلا أن هناك قواسم مشتركة بين اللوحات تخضع لخاصية المقابلة والتضاد حيناً كما في صورة رجال الجيش العربي السوري ومقاتلي داعش والخوذ البيضاء، بينما في مواضع أخرى تعتمد على تعددية الرمز لمفهوم واحد مثل مفهوم الانتصار والسلام، بالجندي، بالعلم السوري، بمشاركة المرأة السورية بالمعركة، بالدبابات..الخ.
رموز وإشارات عميقة وظّفتها الراحلة بلوحاتها لتوصل صوت الحقيقة من دمشق إلى كل العالم، صوت يرفض الإرهاب والظلم والتضليل والكذب الإعلامي.
ومنذ اللحظة الأولى التي يتجول فيها الزائر في أرجاء المعرض تستوقفه الجدارية الكبيرة المشكّلة من خمس لوحات المعنوّنة بمعركة تدمر، لتجسد عبْر فضاءات أفقية واسعة معابد تدمر وأعمدتها، ليتوسط الجدارية الجندي العربي السوري، وتمضي فصول القصة التشكيلية لأحداث المعركة وفق التسلسل بين زوايا الجدارية، فتصوّر فيها رجال داعش الذين يحاولون الاعتداء على حضارة يعود تاريخها إلى آلاف السنوات.
ومن معركة تدمر إلى لوحة مقبرة شهداء نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، إلى حصار مشفى الكندي في حلب، إلى المعركة في جبل تركمان، لنرى لوحة مشهد من ضحايا إدلب.
وتنهي هذا الجانب بلوحة معاناة أهالي حلب التي اتسمت بالحزن وبآلام الفقد برمزية صور الشهداء الصغيرة داخل الإطارات التي تشغل فضاء اللوحة العلوي كخلفية تراكمية للزمن، تصل من خلالها إلى الزمن الفعلي ووجع الانتظار انتظار من لا يأتي بتصوير الأم النائمة التي تتخيل أنها تضم ابنها البعيد.
وأفردت جانباً كبيراً للتضليل الإعلامي وتأجيج الرأي العام ضد سورية بإظهار الدور الخفي الذي قام به الإعلام الخارجي من خلال وسائل الإعلام والصحافة بالتركيز على بطاقة الصحفي”بريس” ورمزية اليد الملطخة بدم الأبرياء، وفي الوقت ذاته تحمل الميكروفون أو تفسر أمام الكاميرا ما يحدث من وجهة نظرهم ورؤيتهم الكاذبة. لتختزل رسالتها بأن المرأة السورية أقوى من الحرب فصوّرت نساء القرية وهنّ يحملن الفؤوس ويمضين إلى الحقل، لتكون رسالة عن المرأة السورية التي حاربت وواجهت وقاتلت.
ارسولا باهر التي سُميت باسم قديسة شهيدة دفنت في بلد الشهداء كما تمنت، الرحمة لك ولكل من آمن بأن سورية بلد الحبّ والحضارات والثقافات لاتقاتل وإنما تردّ القتل عنها.
ملده شويكاني