“بروباغندا الحروب” في ندوة بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق
دمشق-عمر المقداد:
أكد المشاركون في ندوة “بروباغندا الحروب”، والتي أقيمت أمس في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، أن الحرب على سورية أسقطت مقولة الإعلام الحر في الغرب، وكشفت الأكاذيب التي لفقتها كبرى وسائل الإعلام الغربي في حديثها عمّا يجري في سورية، عبر بروباغندا إعلامية تمّ تصميمها داخل أروقة دوائر الاستخبارات وصانعي القرار، مقدّمين الشكر للجيش العربي السوري، الذين لولا تضحياته لما انتصرت سورية على الإرهاب.
وأضاف المشاركون في الندوة، التي شارك فيها كل من الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية والباحث الأسترالي الدكتور تيم أندرسون مؤلف كتاب” الحرب القذرة على سورية، أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة سيدني الأسترالية، والإعلامية والناشطة البريطانية فانيسا بيلي، وأدراها الدكتور هامس زريق مدير مركز دمشق للأبحاث والدراسات، إن حكومات الغرب مارست دوراً تلفيقياً تجاه ما يجري في سورية، حين منعت مواطنيها من متابعة الإعلام الوطني السوري، ودفعت شركاتها الإعلامية إلى فبركة الأكاذيب وشهود الزور، مشيرة إلى أن مخطط الحرب على سورية وضع منذ العام 2004، وليس كما يعتقد البعض عام 2011.
وقالت الدكتورة شعبان: مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ الغرب يوجّه اهتماماته نحو التحكّم بالإعلام وتحديد نوعية وكمية المعلومات التي يجب أن تصل إلى الرأي العام الغربي بهدف دعم سياساته، وأضافت: إن الهزيمة التي لقيتها القوات الأمريكية في فيتنام دفعت صانعي القرار في واشنطن إلى إحكام قبضتهم على وسائل الإعلام، ومع مرور الوقت اتضح أن لا مهنية ولا بحث عن الحقيقة في الإعلام الغربي، وأن وسائل الإعلام الغربي ما هي إلا شركات تمارس دوراً يخدم الأجندة العسكرية والسياسية والاقتصادية للطبقة الحاكمة في الدول الغربية، وأوضح مثال على ذلك هو ما فعلته واشنطن عند غزوها للعراق، حين وضعت مراسلين إعلاميين حربيين مع القوات الغازية، ومنعتهم من نشر أي خبر أو تقرير من دون أن يقرأه القائد العسكري للوحدة العسكرية، موضحة أن هذا التحكّم كشف زيف مقولة الإعلام الحر في الغرب.
ولفتت شعبان إلى الغرب قد تعلّم من تجربته في السيطرة على الإعلام في حالة غزو العراق لتطبيقها على سورية، إذ أنه، ومنذ بداية الأحداث، تمّ سحب السفراء ومراسلي وسائل الإعلام، ومنع أي زيارة لوسائل الإعلام الغربية إلى سورية، وتمّ وضع أجندة إعلامية على كل وسائل الإعلام الغربي والإقليمي المعادي الالتزام بها، وكانت تدور حول الاستعانة بـ”شهود عيان” غير معروفي الاسم والهوية والجنسية والمكان لطرح روايات كاذبة حول أحداث لم تحدث أصلاً، وأضافت: مع مرور الوقت بدأت تتساقط أكاذيب وسائل الإعلام الغربي ورواياته وشهود العيان الذين جرى تصنيعهم، وبرز بالمقابل إعلام وطني وصديق مقاوم، واستطاعت قناة روسيا اليوم والقنوات الصينية والميادين أن تخاطب الرأي العام الغربي بكل واقعية عمّا يجري في سورية، وهو أمر أدى إلى تغيير واسع لدى الرأي العام الغربي.
وأوضحت أنه، وفي هذا السياق، برزت أصوات عاقلة في الغرب، تحدّث عن حقيقة الوضع، مع أنها واجهت تعسفاً من حكوماتها وتقييداً لحركتها وعملها، لافتة إلى أننا يجب نأخذ العبرة من الحرب ومن دور الإعلام فيها، ولعل أهم درس هو سقوط نظرية الإعلام الحر في الغرب، وتابعت: إن الدرس المستفاد الثاني هو أننا يجب أن نهتم أكثر بإعلامنا الوطني وأن نرصد الميزانيات المالية التي تمكّنه من أداء دوره، لأن المعركة الإعلامية لا تقل عن المعركة العسكرية والاقتصادية، موضحة أنه لا يجب أن نستسلم للصورة المشوّهة وأن نقاومها ونعكف على كتابة كل مجريات الحرب على سورية لنكشف للعالم كيف تآمروا علينا ودمّروا بلدنا.
بدوره، قدّم الدكتور أندرسون التحية لأفراد الجيش العربي السوري وشهدائه وجرحاه، وقال: إن بروباغندا الحروب خلال السنوات الثماني الماضية كانت وسيلة استعمارية جديدة للسيطرة على المنطقة وعلى سبعة دول فيها وتدمير سورية، وأضاف: إن التدخل الأمريكي والغربي في المنطقة هو مشروع استعماري قديم بأدوات جديدة في إطار ما بات يعرف بـ”الجيل الرابع من الحروب” والذي يقوم على استخدام جيوش غير نظامية من الإرهابيين والمرتزقة وعلى وسائل الإعلام الجديد والميديا وغرف الاستخبارات ومراكز التفكير “ثينك تانك”، ولفت إلى طريقة مهمة في مواجهة الإعلام الغربي وهي الابتعاد عن دحض مقولات الإعلام الغربي والتوجّه نحو تقديم مقولاتنا نحن، لأننا إذا جربنا أن ندحض مقولة الإعلام فسنكون في موقف ضعيف، في حين أننا لو قدّمنا مقولتنا، فسندفع الرأي العام الغربي إلى التمييز بينهما، واعتماد المقولة ذات المصداقية بينهما، موضحاً هنا أن مواجهة الأكاذيب لن تؤدي إلى جعلها تتوقّف، وأن الأجدى هو قول الحقيقة بمعزل عن الرد عنها.
وأوضح الدكتور أندرسون أن الحرب على سورية قد أسقطت مقولة الإعلام الحر في الغرب، من خلال العديد من الأمثلة التي أوردها من الحالة السورية، مبيناً أن أهم شيء افتقدناه مع بداية الحرب هو غياب أصوات ملايين السوريين الوطنيين، وامتناع وسائل الإعلام عن الإنصات لهم، والذين كانوا يشكّلون حالة إقناع لدى الرأي العام الغربي بأن حكومات الغرب تكذب وتتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
وضرب مثالاً هو اغتيال الشهيد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي داخل مسجده، حيث نقلت وسائل الإعلام الغربية وخاصة محطة “بي بي سي” عن جبهة النصرة أنها ستقتل الشيخ البوطي قبل أشهر من اغتياله، ثم نقلت حادثة اغتياله مع 40 من تلاميذه على أنها من تدبير “النظام”، وهو أمر موثّق في موسوعات “ويكبيديا” موضحاً أن الحرب على سورية جرى التخطيط لها منذ زمن، وأن مؤشرات ذلك تعود إلى عام 2004.
ولفت إلى مثال آخر هو مجموعات استخبارية تعمل في المنظمات الدولية وتنتقل من منظمة إلى أخرى مثل هيومن رايتس ووتس والعفو الدولية وأطباء بلا حدود حيث يتولى هؤلاء الدور الأساس في حروب الجيل الرابع، ومن بينها القصص المفتعلة حول أعمال تعذيب وقتل وانتهاكات وغيرها، مما جرى استخدامه لإصدار قرارات دولية، وقد فعلت ذلك في تونس وليبيا والعراق وسورية وأفغانستان وفلسطين، والعديد من دول العالم.
آخر المتحدثين كانت بيلي، والتي أدت دوراً كبيراً داخل الغرب في الدفاع عن سورية، فأكدت أن البروباغندا تعمل للتأثير على المعتقدات، والسلوك والأفعال وردود الأفعال، وأن الاستخبارات الأمريكية استخدمت كل وسائل التعذيب في العراق وأفغانستان والعديد من الدول، واعتبرت أن أحد المنظرين الأمريكيين طرح نظرية جديدة في الإعلام عام 1995 وهي إدخال العلاقات العامة في الخطط الإعلامية، وهو أدى إلى تغيير مسار الأجندة الغربية في السيطرة على المنطقة والعالم، وكانت فلسفته تقوم على أهمية السيطرة على معتقدات الجمهور عبر ضخ إعلامي مبرمج، وأضافت: إن هذا الأمر أدى إلى دمار دول وهو أمر يجب أن يؤدي إلى مساءلة قانونية لوسائل الإعلام الغربية وعلى القانون الدولي أن يجرم دورها ويحاكمها.
وأوضحت أن فكرة “الخوذ البيضاء” في سورية كانت خطة معدة في كوسوفو عام 1990، وأن هناك شخص بريطاني هو من أسس “الخوذ البيضاء” في سورية وعمل على تمويلها، والترويج لها في إطار خطة محكمة ومعدة مسبقاً داخل دوائر الاستخبارات الغربية.
حضر المحاضرة فعاليات رسمية وحزبية وحشد من المهتمين.