هل ستنجح في تغيير ذهنية العمل؟ المجالس المحلية الجديدة.. مهام واسعة على طريق تحقيق التنمية الذاتية
أعلنت نتائج انتخابات الإدارة المحلية رسمياً، وانتهت معارك الأربعين يوماً بالمباركات والتهاني الاجتماعية والفيسبوكية، وبعيداً عن تقييم ضراوة تلك المعركة لجهة التنافسية، أو لجهة النتائج المتمخضة عنها، لابد من طرح مجموعة تساؤلات برسم تلك المجالس: هل ستبقى المجالس المحلية مجالس شكلية، أو بمعنى آخر صناديق بريد لإرسال الملفات إلى السلطة المركزية للاطلاع والتصديق، أم أنها ستمارس اختصاصاتها، وتحقق اللامركزية على النحو الفني المطلوب، وتتحقق التنمية المتوازنة بالشكل الذي يطمح إليه المواطن؟!.
فهم خدماتي
بالبداية لو تساءلنا عن فهم المواطن لمهام الوحدات الإدارية، والذي انعكس بطبيعة الحال على خياراتهم الانتخابية، نجد أن المواطن أنس سليم يرى أن مهام الوحدات الإدارية خدمية تتعلق بمنح رخص البناء والموافقات لعدد من الأعمال، وتنظيم العقود، ومتابعة المخططات التنظيمية، وأعمال الطرقات، والنظافة، ولكن كل ذلك ليس كافياً إذا لم يتم وضع حد للمخالفات، ومحاربة الفاسدين، وإعطاء كل وحدة إدارية استقلالية في قرارها، أما صلاحيات الوحدات الإدارية، كما تجدها الشابة لميس أبو عساف، فترتكز على توفير الخدمات للمواطنين، ومتابعة جميع المسائل المتعلقة بها، وتحديد النقاط السلبية لمعالجتها، ووضع الخطط في منطقة عملها لتطويرها، مؤكدة ضرورة إعطائها صلاحيات جديدة، أو تفعيل دورها بشكل أكبر، خاصة بموضوع التعديات على الآثار، وتشير الشابة زينة أبو عسلي، 21 عاماً، إلى أنه لا توجد لديها معلومات كافية عن مهام الوحدات الإدارية، ومعرفتها فقط عامة، عازية ذلك لعدم تعاملها واحتياجها لخدمة ورقية من بلديتها في السويداء، وما يتوجب أن تقوم به الوحدات الإدارية حسب مهامها يتمثّل وفقاً للمواطن محمود صلاح بتأمين البنية التحتية المناسبة، ومتابعة المخالفات على المخطط التنظيمي، وإشغالات الطرقات، وتحسين المرافق العامة، والاهتمام بخدمات المواطنين الورقية كمعاملات الإفراز للأبنية.
وأمام عدم ارتياحه لأداء الوحدات الإدارية فيما يتعلق بتنفيذ مهامها لخدمة المواطن بمعاملاته، ونظافة الشوارع وإنارتها، يؤكد عبد الله الحلبي ضرورة تجاوز التعقيدات، والبيروقراطية في عملها، أما المواطن المغترب مهند أبو مغضب فلا توجد لديه معرفة كافية بعمل الوحدات الإدارية، هذا ما يقوله خلافاً للمغترب وليد أبو مغضب الذي يرى أن الوحدات الإدارية مقصّرة في مهامها بمسائل تنظيم الأبنية، وتخطيط المدن والشوارع، ونظافتها، وإزالة المخالفات، وتنحصر معرفة المواطن عطا الشيباني بالمجالس المحلية بأنها موجودة فقط لتسيير أمور المواطن من رخص البناء، وعقود الإيجار، وتقديم خدمات النظافة، وغيرها، وهذا ما وجدناه لدى إيمان زين الدين أيضاً التي بيّنت أنها لا تعرف كثيراً عن المجالس المحلية.
أما المواطن عصام عزام فيقول: للمجالس المحلية مهام كثيرة لرعاية مصالح المواطنين، لكنها تحتاج للتنفيذ، وتطبيق قانون الإدارة المحلية بشكل صحيح، وتوفر الوعي لدى القائمين عليها، وصلاحيات الوحدات الإدارية فيما يخص تنظيم المدن، ونظافتها، وإنارة الشوارع، وإنجاز معاملات الأبنية، ورخص البناء، يجب أن تكون وفقاً للمواطن هادي نعيم مدعومة بصلاحيات أكبر أهمها البعد عن المركزية، والقدرة على اتخاذ القرار من قبل القائمين على تلك الوحدات، فيما يلفت المواطن نظام أبو حسون إلى ضرورة تنفيذ الوحدات البلدية لواجباتها، ورفع العبء عن المواطن، وتخفيف الرسوم عليه، وتنظيم العمل الخدمي، والتخديم بشكل جيد بالصرف الصحي، والاهتمام بمسائل النظافة.
ذهنية جديدة
لا شك أن واقع مجالس الإدارة المحلية الحالي لا يدعو للتفاؤل، لأن المرتكزات الأساسية للإدارة المحلية مفقودة، وأهمها مجالس محلية تحقق الكفاية، مع تمويل كاف، وكذلك محدودية حجم الصلاحيات المحلية، ورقابة السلطة المركزية، يقول حمود خير، وهو نائب رئيس مكتب تنفيذي سابق، بأن المطلوب اليوم هو تشكيل مكاتب تتمتع بذهنية فنية، ودراية إدارية واعية، وإعطاء هذه المكاتب الإمكانيات المادية والمالية، وكذلك الصلاحيات التي تستطيع من خلالها ممارسة دورها على أكمل وجه.
أما الأهم بالنسبة لخير فهو وضع حد للفساد، وإعادة النظر بالقانون الخاص بالإدارة المحلية كونه قاصراً ومحكوماً بسلطة المحافظين، وكذلك تطوير القانون المالي للوحدات الإدارية، ونظام العقود، مع إعطاء الصلاحيات للمجالس في مجال الترخيص للمشاريع الإنمائية والاستثمارية ضمن واقع البيئة الاستثمارية الخاصة بالوحدة الإدارية كونها الأدرى بنجاح المشاريع الخاصة في هذه البيئة.
الإدارة التنفيذية
قد تكون المبادرة هي عنوان المرحلة المقبلة، وهذا محكوم بالموارد البشرية التي أفرزتها الانتخابات، أو بمعنى آخر مدى الكفاءة العلمية، والفهم الصحيح لمعنى الإدارة المحلية عند الكوادر الجديدة التي من المفترض أن انتخابات الإدارة المحلية ضختها في شرايين المجالس المحلية.
تقول مديرة مركز فيليبيوس للتنمية ميرفت أبو زيدان: إن الصعوبات التي تواجه المجالس المحلية متعددة، منها ما هو متعلق بالموارد البشرية المحلية، حيث أثبتت التجربة أن الكوادر التي تدخل معركة الانتخابات المحلية لتشكيل المجالس المحلية تعاني من صعوبة الفهم الصحيح للعمل في الشأن العام المحلي، إن كان لجهة عدم الإلمام بأساسيات وبديهيات العمل التمثيلي، أو لجهة عدم الرغبة في المبادرة، وإذا أردنا معرفة أهم الأسباب في ذلك لاستنتجنا أن هذا الضعف يرجع إلى غياب المبادرة، ثقافياً وسياسياً لدى بعض أعضاء المجالس المحلية.
أما الجناح الآخر في الجسم المحلي فيتجلى بالإدارة التنفيذية (المكتب التنفيذي) التي تعاني بدورها من ضعف في الكفاءة، فكيف يُعقل أن تكون على مستوى إدارة بلدية قلة قليلة من الموظفين البيروقراطيين (فئة أولى وفئة ثانية) من دون أن يكونوا قد أُعدوا مسبقاً في معاهد متخصصة لهذا الغرض، وأن يكون إعدادهم متركزاً حول العمل في الشأن العام المحلي، فلابأس في تقديم حقيبة تدريبية دورية بمحاور متعددة في القضايا الإدارية المحلية كتبسيط الإجراءات، وفن التواصل مع الجمهور، ودورات متعددة في القضايا القانونية، (نظام العقود للجهات العامة، النظام “الأساسي” للعاملين في الدولة، قانون الإدارة المحلية، الأنظمة الداخلية، وغيرها).
أما الصعوبات الأخرى فهي، حسب أبو زيدان، صعوبات متعلقة بالتمويل، فلا يكاد يختلف اثنان على أن القرار المحلي لا يمكن تنفيذه إلا برصد الاعتماد الكافي، فالموارد المحددة في قانون الإدارة المحلية ليست كافية لتغطية الإنفاق العام المحلي، إذ تعتمد غالبية المحليات، (لاسيما البلديات والبلدات)، على المخصصات التي تأتيها من الحكومة المركزية التي ترافقها عادة مصفوفة من التعليمات فيما يخص أوجه الإنفاق، وهذا الاختناق المالي الذي تعاني منه المحليات يحتاج بالضرورة إلى فتح المجال واسعاً أمام المحليات لتشق طريقها بذاتها من أجل خلق الفرص الاستثمارية، ومن ثم خلق الموارد الذاتية اللازمة لتغطية الإنفاق العام لتلبية الاحتياجات العامة للسكان المحليين.
تنمية محلية
الإدارة المحلية بواقعها الحالي أقل من الطموح، نتيجة قد لا يختلف عليها اثنان، وهنا نتساءل الآن مع أصحاب القرار عن شكل المصفوفة الإصلاحية التي من شأنها أن تخلق نهضة كبيرة في دنيا هذا القطاع من قطاعات الإدارة العامة، (قطاع الإدارة المحلية)، طبعاً بعيداً عن التنظير، والخطابات، والكلام المعسول، وبشكل ينبغي أن يتصف بالموضوعية، وأن يتماهى مع المعطيات المتوفرة، سواء أكان ذلك من الناحية الاجتماعية، أم الاقتصادية، وقد يكون المنطلق من بوابة التنمية المحلية.
مستشار تطوير أعمال مركز الأعمال والمؤسسات السوري الدكتور هشام خياط يقول: لابد أن تكون هناك تنمية محلية قائمة على أسس علمية، وتستند إلى المقومات المتوفرة في المنطقة، وأن تكون هذه التنمية تمكينية وتشاركية، بحيث يشارك السكان المحليون في صياغة مستقبلهم، ووضع توجهاتهم بعيداً عن البرامج التنموية التي تأتي من المركز كهبة، وبمعنى آخر أن تنطلق التنمية في كل منطقة بحد ذاتها حتى لو كانت وحدة إدارية صغيرة.
وبيّن خياط أن الوحدات الإدارية بحاجة اليوم إلى جهد محلي قائم على الفعاليات والقدرات المحلية لإنتاج نموذج تنمية محلية يساعد السكان على تمسكهم بأرضهم وفرصهم بعيداً عن التقليد، فلكل منطقة خصوصيتها، وقدراتها وإمكانياتها، فلابد من اكتشاف البيئة التمكينية الحقيقية للاقتصاد بالمنطقة، وصياغة نموذج محلي بالاعتماد على القدرات والإمكانيات البشرية، والبحث عن تحقيق تنمية مستدامة عبر خلق وإبداع أفكار، وعدم انتظار تنمية اتكالية تعتمد على المركز، بل خلق أفكار تحث المركز على العمل.
إذاً الموضوع بالنسبة للدكتور خياط ينطلق من تمكين الوحدات الإدارية بالبنى، وتحويلها من وحدات خدمية إلى وحدات تنموية، وهذا يتطلب وجود دوائر خاصة بالاستثمار، والتنمية، والتمويل في كل بلدية، مهمتها التواصل مع المجتمع المحلي، والمستثمر المحلي، وخلق حالة تنموية محلية تشاركية، والتحول من حالة التنمية الاتكالية والوحدات المستهلكة إلى وحدات تنموية منتجة وفاعلة.
دورات تثقيفية
قد يكون أحد أهم المعوقات التي ستعترض العمل في المرحلة المقبلة عدم الدراية الكافية بالأدوار المنوطة بالمجالس المحلية، خاصة أن مفرزات الانتخابات بشكلها الحالي العريض والواسع لا تسهل وصول الكفاءات القادرة على اختصار الزمن، وهنا لابد من إجراء دورات تدريبية تثقيفية توعوية في مجال الإدارة المحلية تتولاها وتشرف عليها معاهد متخصصة في هذا المجال، ولابأس في إحداث معهد متخصص في الإدارة المحلية، وتنمية المحليات، وكذلك تفعيل قانون التشاركية بين العام والخاص لإدارة المرافق العامة بغية إنشاء شركات اقتصاد مختلط تتولى إنشاء وإدارة بعض المرافق العامة، ليصب كله في بوتقة التنمية المحلية التي يجب أن تكون شعار المرحلة المقبلة.
وقد يكون تحقيق ما سبق لا يتم دفعة واحدة، أو عبر دورة انتخابية واحدة، بل يحتاج إلى عدة دورات، خاصة أن مفهوم الإدارة المحلية مازال في الإطار الخدماتي وليس التنموي، وهذا يحتاج إلى تغيير ذهنية التفكير عند أعضاء تلك المجالس أولاً، وهنا لابد من إعادة النظر في شروط الترشّح لعضوية مجالس الإدارة المحلية كي لا تبقى مجالسنا محكومة بالخيارات ضيقة المبادرة والتفعيل.
رفعت الديك