دراساتصحيفة البعث

ترامب وقادته العسكريون

 

ترجمة وإعداد: علاء العطار

وردت تقارير في تشرين الأول من العام الماضي تفيد بأن القادة العسكريين السابقين في إدارة ترامب: جيمس ماتيس، وجون كيلي، وهربرت ماكماستر جددوا عهدهم على ألا يغادروا البلاد في الوقت نفسه، وأن يبقى أحدهم على الأقل في البلاد كإجراء وقائي ضد تصرفات الرئيس الجامحة.

وبعد مرور عشرة أشهر، عين الجنرال ماكماستر كمستشار للأمن القومي، وتم تهميش الجنرال جون كيلي، ويقال إن رئيس هيئة الأركان يقضي الآن معظم يوم عمله في القاعة الرياضية، ويقول سراً إنه لا يهتم إن عُزل ترامب.

وتبعاً لآخر ما كشف عنه كتاب بوب وودوارد الجديد بعنوان “الخوف: ترامب في البيت الأبيض”، فإن الجنرال جوزيف دانفورد لا يطيق الانتظار للخروج من هذه “البيئة المجنونة”، ويعتقد أن ترامب “أحمق” و”معتوه”، والجنرال ماتيس الآن هو آخر رجل صامد من بين الثلاثة الذين ادعوا أنهم يريدون “حماية الأمة” من رئيس كان يثير قلقهم على الدوام.

لكن السؤال هو: لكم من الوقت سيصمد ماتيس في منصبه، فتأثير وزير الدفاع يتضاءل شيئاً فشيئاً، كما أن ترامب تجاهل نصيحته ضد تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب من اتفاق باريس لتغير المناخ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإرسال الحرس الوطني إلى الحدود المكسيكية.

وحسب ما ورد، اشتكى الرئيس من أن ماتيس يحاول إعاقة نهجه الراديكالي، وأن الجنرال يحتقره، وهذا صحيح بالطبع، كما جاء في كتاب وودوارد، حيث ذكر أن ماتيس اعتبر أن اضطلاع ترامب بمسائل الشؤون الخارجية لا يتجاوز ما لدى طفل “بالصف الخامس أو السادس”.

في مقابل ذلك، نفى كل من كيلي وماتيس الادعاءات التي قدمها وودوارد حول وجهة نظرهما حيال ترامب، لكن مشاعرهما التي وردت في الكتاب مشابهة على نحو لافت للروايات الأخرى التي تحدثت عن الإدارة المتصدعة.

والواضح أنه طرأ تغيير في علاقة ترامب مع المؤسسة الأمنية، فقد أظهر افتتاناً بالجيش بالتعيينات التي أجراها عند اعتلائه منصبه، إلا أن تشويهه المتكرر لسمعة أشخاص خدموا بلادهم أدى في بادئ الأمر إلى انتشار الفزع والاشمئزاز بين الكثيرين في المؤسسة الأمنية، والإهانات التي وجهها إلى السيناتور جون ماكين أحد الأمثلة على ذلك، فقد قال عنه، وهو الذي أُسر في فيتنام: “إنه ليس ببطل حرب.. أنا أحب الأشخاص الذين لم يتم أسرهم”، وبالطبع، تجنب ترامب الأسر باستماتة في فيتنام عبر التهرب المتكرر من التجنيد، وهو موقف يُنظر إليه باشمئزاز شديد.

ورفض ترامب إصدار بيان للبيت الأبيض يمدح ماكين ومسؤولين عارضوه، من بينهم ماتيس، كما قيل، وأشاد وزير الدفاع بماكين في بيانه الخاص، قائلاً: إن حياته تجسد الشعار العسكري “ليس للذات، بل للبلاد”، وهو عكس سلوك ترامب.

وتبدي شخصيات بارزة في الجيش الأمريكي استنكارها لما يقوم به ترامب علانية وبشكل متزايد، وعندما ألغى ترامب تصريحاً أمنياً لجون برينان، رئيس وكالة المخابرات المركزية السابق الذي أصبح أحد أشد منتقديه، تطوع الأدميرال ويليام ماكريفين الذي كان مسؤولاً عن غارة البحرية الأمريكية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن، لإبطال تصريحه الأمني الخاص، ووصف ماكريفين برينان على النحو التالي: “أحد ألطف الموظفين الحكوميين الذين عرفتهم، قليل من الأمريكيين فعلوا أكثر مما فعله جون لحماية هذا البلد، إنه رجل يتمتع بنزاهة لا نظير لها، ولم تكن شخصيته وإخلاصه موضع شك أبداً”.

وقد ينتهي عشق ترامب أحادي الجانب للقوات المسلحة، وبديل ماكماستر كمستشار للأمن القومي هو جون بولتون، أحد الفارين من التجنيد في حرب فيتنام، ومن بين الأسماء المرشّحة لتخلف ماتيس هو ستيفن هادلي الذي اشتهر، على غرار بولتون، بادعاءات بشأن أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة، متجاهلاً تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات المركزية، وساحة المعركة التي اختيرت لوزير الدفاع أرضية بكل ما تعنيه الكلمة، بمعنى محاولة حماية التحالفات الأمريكية، وليس خافياً على أحد استياء ماتيس من تهجمات ترامب المستمرة على الناتو، وهو الآن على خلاف مع ترامب حيال العلاقات مع شريكين استراتيجيين: كوريا الجنوبية، والهند.

وذكر ماتيس أن التدريبات العسكرية السنوية مع كوريا الجنوبية ستتواصل، في حين أعلن ترامب أنها ستلغى، فقد اشتكى من التكلفة، وادعى أن إلغاءها هو أحد مكاسب القمة “الناجحة” مع كيم جونغ أون، والتي كتب في أعقابها على تويتر بأن “التهديد النووي من كوريا الديمقراطية انتهى”، وبعد ذلك ألغى ترامب رحلة لوزير الخارجية مايك بومبيو إلى بيونغ يانغ متهماً كيم بالتخلف عن بدء عملية نزع السلاح النووي، لكن هذه التناقضات ليست أمراً جديداً على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

قضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سنوات في تمكين الروابط مع الهند لتكون كثقل مقابل الصين، وحاول ماتيس وفشل في الحصول على تنازل لنيودلهي بشأن التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب في حربه التجارية، أدت هذه الخطوة مباشرة إلى توطيد العلاقات بشكل أكبر بين دلهي وبكين التي هي بالطبع أحد الأهداف الرئيسية لفرض التعرفة الجمركية الأمريكية، ويكافح ماتيس حالياً لتحصيل تنازلات للهند لفرض عقوبات أكثر ترهيباً، وهذه المرة بشأن شراء نظام صاروخي روسي.

كانت المواجهات مفتوحة بقدر كبير، ووافق ترامب في قمة سنغافورة على تعليق التدريبات العسكرية مقابل قيام كوريا الديمقراطية بإجراءات ملموسة، وتم تقديم عرض دون إبلاغ وزير الدفاع، ولدى سؤاله مؤخراً عما إذا كان سيتم استئناف التدريبات، أجاب ماتيس بأن التعليق كان “إجراء حسن نية”، لكن موقفنا العسكري لم يتغير منذ اختتام قمة سنغافورة، وليست لدينا خطط في الوقت الحالي لوقف أية تدريبات أخرى.

ورد ترامب بتغريدة من أربعة أجزاء غير مترابطة مشيراً إلى نفسه بصيغة الغائب، كان عنوانها “بيان من البيت الأبيض”، جاء فيها: “يعتقد الرئيس أن علاقته مع كيم جونغ أون جيدة للغاية ودافئة، ولا سبب يدعوه في هذا الوقت إلى إنفاق مبالغ طائلة على ألعاب الحرب المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية”.

ويأتي التهديد بتدابير اقتصادية تأديبية على الهند على خلفية خطط نيودلهي لشراء نظام صواريخ “اس -400” من روسيا، وهو أمر تقول عنه واشنطن إنه سيخرق العقوبات الأمريكية على موسكو، وقد أشار ماتيس إلى أن الهند التي حصلت على معظم أسلحتها من روسيا خلال الحرب الباردة لابد أن تستمر ببعض هذه التجارة، بينما تتحول بشكل متزايد إلى شراء الإمدادات من الغرب.

ومن المثير للسخرية أن العقوبات على روسيا فرضت لتدخلها المزعوم في الانتخابات الأمريكية الذي يُزعم أنه السبب في وضع ترامب في البيت الأبيض، وبالطبع، هذه مزاعم وصفها ترامب بأنها “أخبار مزيفة”.

ومن الممكن أن تُختزل المسألة بالتجارة فقط، والولايات المتحدة حريصة على بيع نيودلهي نظام صواريخ بديلاً، وقال راندال شريفر، وهو مسؤول متوسط المستوى في البنتاغون: “عندما تستثمر في نظام ما، فأنت تستثمر في العلاقة أيضاً”، وبإمكان الهند الحصول على موافقة واشنطن من خلال إنفاق مبالغ طائلة على الأسلحة الأمريكية بدلاً من ذلك، كما فعلت السعودية، وقطر، ودول أخرى.

وفي كلمة له أمام مجموعة من الجنود عند زيارته أفغانستان العام الماضي، قال ماتيس: “إن بلدنا يعاني حالياً من هذه المشاكل، وأنتم تعرفون ذلك مثلي تماماً، إنه يعاني من هذه المشاكل التي لا نجدها في الجيش، فأنتم تحمون حدوده إلى أن يعود بلدنا إلى التفاهم، واحترام الآخر، وإبداء هذا الاحترام”.

قد ينتهي وقت ماتيس في “حماية الحدود” في هذه الإدارة قريباً، وسيكون نظام الصواريخ أحد الموضوعات عندما يلتقي وزير الدفاع الأمريكي ووزير الخارجية مايك بومبيو بنظيرهما في الهند في الحوار الافتتاحي القادم “2 + 2” في نيودلهي، لقد عمل وزير الدفاع بجد للترويج لهذه الاجتماعات مع الحلفاء الرئيسيين، وقد لا يكون موجوداً لحضور المزيد منها في المستقبل.