أخبارصحيفة البعث

مع الأحداث اتفاق تاريخي بأبعاد استراتيجية

 

في ختام زيارة وصفت بالتاريخية لرئيس كوريا الجنوبية إلى بيونغ يانغ، أعلنت الكوريتان عن توقيع اتفاقية لنزع التوتّر بين البلدين تنهي  خمسة وستين عاماً من النزاع بين شطري شبة الجزيرة الكورية والذي راح ضحيته أكثر من خمسة ملايين إنسان. اتفاق يحمل في طياته تحوّلات استراتيجية لمنطقة شرق آسيا والعالم، فالنزاع الكوري كان من أولى الحروب في فترة الحرب الباردة، وأدى حينها إلى انقسام كبير بين الدول  بين من يقف مع الاتحاد السوفييتي ومن يقف مع أمريكا..

اليوم تطوى صفحة هذه الحرب، باتفاق بين الدولتين  دون وساطة من أي طرف أممي كان، أو حتى دولة بعينها، فهل ما نشهده أمامنا هو خطوة جديدة في عالم ما بعد الأحادية الأمريكية؟ وماذا عن واشنطن؟ هل ستقبل باتفاق سلام لا يد لها فيه؟ وهل ستسمح بأن ينفذ على أرض الواقع؟ لاسيما وأن استراتيجيتها تركز على الصراع في الشرق الأقصى بمواجهة الصين، وبالتالي ما هو مصير قواعدها في كوريا الجنوبية؟.

منذ بداية العام الجاري، وكعادتها، اتخذت القيادة الكورية الديمقراطية خطوات عملية وجوهرية، بالتعاون والتنسيق مع الجارة الصين، لنزع فتيل الحرب في شبه الجزيرة الكورية، ومد يد السلام إلى الجارة سيؤول، فكانت الخطوة الأولى في نيسان باللقاء في المنطقة المنزوعة السلاح، والتي كسّرت التوتر بين الجارين الأخوين قبل أن تطوي قمة بيونغ يانغ نهائياً الحرب الكورية. نهجٌ عزّز من مفهوم الأمن الإقليمي في المنطقة المتوترة بفعل التدخل الأمريكي المستمر، من خلال التأكيد على أن المصالح المشتركة بين الدولتين الشقيقتين أهم من كل المحاور والاصطفافات الدولية، لا بل وقطع الطريق على واشنطن لممارسة دور شرطي السلام، وأنه من دونها لا يمكن أن يمر اتفاق بين أي طرفين في العالم. كما أكد الاتفاق على حقيقة جديدة حاولت الولايات المتحدة الأمريكية طمسها على مدى عقود من الزمن، ومفادها أن الدول التي تدعي واشنطن أنها راعية للإرهاب ومزعزعة للأمن العالمي، قادرة رغم كل العقوبات الظالمة المفروضة عليها على ممارسة دورها الإقليمي وصنع السلام مع محيطها.

وعليه فإن الترحيب، الذي جاء بتوصيف الدهشة على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يؤكّد أن واشنطن ممتعضة من الاتفاق الحاصل، لاسيما وأن ترامب حاول كثيراً التهليل لخطوته بلقاء الزعيم الكوري الديمقراطي كيم جون أون في سنغافورة، بأنه الوحيد الذي يحمل مفتاح السلام في شبة الجزيرة الكورية، لتأتي الخطوة الكورية المشتركة كصفعة غير متوقّعة على وجه سيد البيت الأبيض..

وبالتالي من المتوقّع، وربما المؤكد، أن تسعى واشنطن لفعل المستحيل للحفاظ على هيمنتها  في شبه الجزيرة الكورية عبر منع تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع أو فرض بعض من شروطها، عبر اختلاق التهم لبيونغ يانغ والادعاء بأنها –  ورغم إعلانها التخلي عن السلاح النووي –  ما تزال تحتفظ ببرنامج سري “تقرير منظمة حظر الأسلحة النووية الأخير” مثالاً، وحتى الضغط على حليفتها سيؤول لمنعها من تنفيذ التزاماتها وقد تكون العقوبات “الترامبية” سلاحاً حاضراً لنسف الاتفاق.

إن اتفاق الكوريتين التاريخي، إذا سار إلى نهايته السعيدة، سيعزّز مفاهيم جديدة لأمن واستقرار العالم، ولاسيما في الشرق الآسيوي، وسيفرض تحوّلات جوهرية في خارطة العلاقات الدولية، وربما نرى في  الشرق الأوسط خطوات على شاكلة الاتفاق الكوري ينزع فتيل الحروب والتصادم،  إذا ما اقتنعت الدول المرتبطة بالقرار الأمريكي، بأن مصالح شعوبها تقتضي تعميق البعد الإقليمي والحفاظ على مصالحها عبر التوافق والسلام مع شعوب المنطقة، وليس بالحرب والتهديد.

سنان حسن