ثقافةصحيفة البعث

أسلوب التضمين بين النحويين والبلاغيين

 

تعددت الأساليب اللغوية التي استخدمها العربي في كلامه لإصابة القصد منه، وبيان المعنى. واعتُبر أسلوب التضمين أحد هذه الأساليب التي وردت في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والتراث الشعري والنثري في عصر الاحتجاج، والعصور اللاحقة.

ولأسلوب التضمين حضوره لدى الأدباء والكتّاب في التعبير عن أفكارهم، وتأليف صورهم ومعانيهم، وعلى أساسه فسّر علماء النحو والبلاغة جانباً مهماً من الدلالات اللغوية بين عناصر التركيب، فوجهوا الإعراب والدلالة الصرفية والعناصر الجمالية وفق مفهومه.

ولأهمية التضمين، وتعدد ميادينه، واتساع حضوره خصصت سلسلة “قضايا لغوية” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب كتيب (أسلوب التضمين بين النحويين والبلاغيين)، تأليف د. محمود الحسن، خصصته لدراسة مفهوم التضمين، وأنواعه، ونشأته وتطوره، وموقف النحاة والبلاغيين منه.

معنى التضمين وأنواعه ونشأته

يُعرف التضمين لغةً على أنه إيداع شيء في شيء، بينما اصطلاحاً فإنه يكتسب مفاهيم متعددة تأتي تبعاً لتنوع العلوم التي تناولته، واختلاف مباحثها، فهناك التضمين البديعي، والتضمين العروضي، والتضمين البياني، والتضمين النحوي. ومفهوم التضمين أول ما نشأ عند البصريين وكان يعني أن الفعل المذكور قد تجرد تماماً من معناه الأصلي، واستُعمل دالاً على معنى الفعل المُضَّمن فقط. وهذا ليس من التضمين الذي جرى عليه علماء البيان والنحاة لاحقاً. وعندما تناول ابن جني مفهوم التضمين كانت مقاربته له لا تختلف عما عند البصريين، بيد أن الزمخشري، إن أمكننا القول، كان هو أول من وضّح مفهوم التضمين، إذ خرج به من مجال التأويل النحوي للعبارات، إلى ميدان الإبداع، وعدّه أسلوباً بيانياً، ينطوي على فوائد بلاغية، وبيّن أنه يعني تضمين كلمة معنى كلمة أخرى، تؤدي وظيفتها في التركيب؛ وعنه نقل عامة النحاة والبيانيين والأصوليين من بعده.

وفي العصر الحديث أثيرت مسألة التضمين أولاً في مجمع القاهرة، الذي انتهى إلى قرار في هذا الشأن، بعد مناقشات طويلة غلب عليها الأخذ والرد، وولّدت انقساماً واضحاً بين المَجمَعِيين، إذ انتصر فريق لقرار المجمع، وأنكر فريق التضمين أو طعن في صحة القرار.

الفرق بين التضمين

البياني والنحوي

يبدو أن التضمين البياني هو عين التضمين النحوي، وأن الفرق بينهما هو مجرد أمر وهمي، إذ لا يوجد فرق بين نوعين من التضمين، وإنما الفرق هو بين التضمين من جهة، ومجاز الحذف من جهة أخرى. بيد أن هذا التفريق بين نوعين من التضمين هو الذي أوجد الخلاف بين العلماء وحال دون الوصول إلى نتائج دقيقة. وسبب هذا التفريق بين المفهومين، كما يقول ابن كمال باشا، هو أن الزمخشري قدم توجيهين للتضمين: أحدهما الغرض منه توجيه الإعراب، والآخر الغرض منه توجيه المعنى. ثم جاء بعض علماء البيان لاحقاً وأخذوا تفسيره الذي وضعه لتوجيه المعنى واعتمدوه لتوجيه الإعراب.

شروط التضمين وفوائده

رأى مجمع اللغة العربية الملكي أن التضمين قياسي لا سماعي، وحدد له ثلاثة شروط لقياسيته تناول الشرط الأول منها موضوع تحقق المناسبة بين الفعلين، وهذه المناسبة قد تتمثل في عدة أمور أهمها: السببية، والمصاحبة، وأن يكون أحد الفعلين توجيهاً لما نتج عن الآخر، وأن يكون أحد الفعلين هيئة لفاعل الآخر أو مفعوله. في حين انتقل الشرط الثاني الذي وضعه المجمع للحديث عن وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللَبس، ويعدُّ حرف الجر من أشهر هذه القرائن، وأكثرها وروداً. أما الشرط الثالث فهو ملاءمة التضمين للذوق العربي، والحق أن المجمع لم يكن موفقاً حين اعتمد هذا الشرط ضرورة لتحقق قياسية التضمين فالذوق ليس له قواعد وقوانين كي يُعرف متى يكون الكلام ملائماً، أو غير ملائم. فهو أمر خفي يرتبط بعوامل نفسية، وأخرى لغوية واجتماعية وبيئية وزمانية ومكانية، كما أنه يختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى.

وللتضمين بطبيعة الحال الكثير من الفوائد الدلالية والبلاغية كان لها الفضل في الرقي بأساليب التعبير، ويمكن حصر هذه الفوائد في ثلاث، هي: الإيجاز، والمبالغة والتوكيد، والتوسع في استعمال اللفظ بجعله عبر التضمين يؤدي مؤدى غيره.

سلام الفاضل