أخبارصحيفة البعث

صفعة محكمة العدل

 

تظهر التصريحات والمواقف الأمريكية أن الدولة العظمى تعيش انفصاماً عن واقع التحوّلات السياسية التي طرأت على الخارطة العالمية، ولعل الانتقادات الأخيرة لمحكمة العدل الدولية ليست إلا كوميديا مأساوية تظهر الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً غير موثوق عالمياً. ففي السابق كانت الدول المستضعفة عادة هي التي تتذمّر من الظلم الدولي، الذي في كثير من الأحيان أفقد شرعيات دول بأكملها من أجل خدمة من يتذمّر الآن، لكن أن تخرج هذه الأصوات من أمريكا تحديداً، فإن لهذا دلالات أكبر من إصدار المحكمة قراراً تطالب فيه الولايات المتحدة بالتأكّد من أن إيران تستطيع استيراد الغذاء والدواء، على الرغم من العقوبات التي فرضها عليها الرئيس دونالد ترامب.
من الطبيعي أن يهدد مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، بانسحاب بلاده من المحكمة الدولية، لكن من غير الطبيعي أن يتم التبجح والقول: ليس من صلاحيات محكمة العدل الدولية النظر في قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران. هذه الحجج ليست مقنعة لانسحاب أمريكا من اتفاقيتين دوليتين بعدما اشتكت إيران والفلسطينيون في محكمة العدل الدولية من سياسات أمريكية، وليست مبرراً للتهديدات بالانسحاب أيضاً من (البروتوكول الاختياري) بشأن حل النزاعات والملحق بمعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
في الواقع، إن ردة الفعل الأمريكية، وخروج أصوات المحافظين الجدد من عقالها، مرده الوحيد أن العالم بهيئاته الاعتبارية والدولية تلمّس بشكل محسوس العبثية التامة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه العالم، لهذا فإن الاعتراضات الدولية على التفرد الأمريكي في قيادة العالم تؤكّد أنها باتت نظاماً خارجاً على القانون، وهذا لا شك يثبت أيضاً أنها باتت أكثر عزلة في العالم نتيجة لسياساتها الخاطئة والمتطرّفة، وقرار المحكمة يثبت ظلم العقوبات الأمريكية التي تفرضها على إيران ودول العالم وعدم مشروعيتها، والأهم أن قرار المحكمة الدولية هزيمة للولايات المتحدة، وانتصار لسيادة القانون في وجه السياسة الأمريكية أحادية الجانب والمدمرة في العالم.
قد تشكّل هذه القضية فرصة للمحكمة، من أجل أن تثبت إمكانية فرض قيود بموجب القانون الدولي على الحرب التجارية التي قد يشنها بلد على بلد آخر، كما أنه يمكن أن توفّر للمحكمة قاعدة قانونية كافية لوضع حد، بموجب القانون الدولي، للإكراه الذي تمارسه الولايات المتحدة، كما يقول الباحث المتخصص في القانون الدولي في معهد “آسير” في لاهاي جيف غوردون.
حقيقة ثمة مخاوف متنامية بين حلفاء الولايات المتحدة بشأن التزام الإدارة الأمريكية الحالية بالتعددية، لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومنذ تولى منصبه قبل ما يقرب من عامين، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم بين ست قوى عالمية وإيران، ومن الاتفاق العالمي للمناخ، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وهدد الحلفاء العسكريين في حلف شمال الأطلسي بأن الولايات المتحدة ستمضي بمفردها إذا لم ينفقوا أكثر على الدفاع، لكن الدول المتخوّفة من قرارات أمريكا قد تجد في المستقبل أن من الأفضل لها أن تغادر أمريكا على الأقل كي تنعتق من التبعية التي فرضتها تحالفات الحربين العالميتين الأولى والثانية ليكون لها هامش من الحرية كي تخلق أحلافاً جديدة تتناسب والاصطفافات العالمية التي ارتسمت على الخارطة الدولية.
علي اليوسف