الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الأخوان ومرجعيّة الإسناد

عبد الكريم النّاعم

“الأخوان المسلمون”، عبر تاريخهم، وفي الوظيفة المُرتجاة منهم، كانوا “إسنادا”، في حالة تناغم بينهم وبين (السلطة)، إذ هم تاريخيّا استمرار لعلاقة رجال الدّين المستظلّين بظلّ السلطان، فهم يُفتون له بما يُرضي الجالس على العرش، وهو يُغدق عليهم من أُعطياته، فكلاهما يسند الآخر.
هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ ثمّة رجالات دين، وفقه، عبر تاريخنا كانوا نموذجا للابتعاد عن السلطان، بل وبعضهم حارب الجور في السلطة، فنُفي، أو أُبعد، أو قُتل، أو عُذّب، بيد أنّ الواجهة كانت دائما مُلحقة بخدمة العرش/الخليفة، وكانوا هم والتّجار الحامليْن الرئيسيْن لمساندة تلك السلطات، والتفاعل لدرجة التلاحم العضوي.
هذه الظاهرة ابتدأت مع العهد الأموي، واستمرّت عبر العصور التالية، وتسلسلت حتى زمن الدّول المتتابعة، والتي مثّلت بَعْثرة السلطة الواحدة بإمارات، وممالك، وشرذمات سهّلت على المحتلّ العثماني أن يدخل هذه البلاد، فكانت الشريحة المعنيّة من رجال الدّين المشرّع (الديني) لقبول الاحتلال، ولتسويغه، بدعاوى ضالّة مضلّة، بدلا من استنفار الهمم للوقوف في وجه الغزاة الأتراك، وخادعهم المحتلّ العثماني فانخدعوا له، فأقام منهم سلطة ذات مرجعيّة دينية وفقهيّة تشرّع له كلّ ما يريد، فكانوا أتباعا بامتياز، وربّما سوّغ بعضهم لنفسه أنّه في خدمة (مسلم)!، وتغاضى عن روح الاحتلال، ونهب الخيرات، وانتشار الظلمات على مدار أربعة قرون، مازلنا نعاني من بعض آثارها، ولم يكنْ خافيا أنّ المحتلّ العثماني قد لعب جهارة بورقة (المذهب)، لا بورقة روح الإسلام.
في الزمن الذي بدأت هذه المنطقة تتخلّص من نير الاحتلال الغربي الذي أعقب الاحتلال العثماني، بصورة توحي بالاستقلال الشكلي، في هذه الفترة وُلدت حركة “الأخوان المسلمون”، وكانت لهم مرجعيّتان، إحداهما خفيّة، باطنيّة هي مرجعيّة بريطانيا، والثانية مرجعيّة القصر الملكي في مصر، ولقد ظلّت مرجعيّة الغرب بادية وظاهرة غير خافية إلاّ على أعمى البصر والبصيرة، فعمد قادتهم حين يُلاحقون لسبب من الأسباب، للرّحيل إلى بريطانيا أو إلى ألمانيا، وتُخصّص لهم حمايات رسميّة غير منظورة، وكما تعلمون فإنّ الغرب بروحه التجاريّة الربحيّة الاحتلاليّة ليس جمعيّة خيريّة، فهو لا يقدّم خدمة إلاّ مقابل خدمة ما، وهذه مسلّمة.
حين اقتربوا في مصر، معقل نشوئهم وحضورهم الأكبر، من الملك فاروق، قدّموا بيعة له.. فاروق، المقامر، السكّير، رجل النّزوات والشهوات، الذي كان عهده رمزا للفساد، قدّموا له (بيعة)!!، أرجو أن تتمعّنوا في نصّها لكشف المزيد من حقائق ما يحملونه كحركة، تقول البيعة: “… إنّ ثلاثمئة مليون مسلم في العالم– (عددهم آنذاك)- تهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامياً للمصحف، وأكبر الظنّ أنّ الله قد اختار بهذه الهداية العامّة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك، ومِن ورائك أخلص جنودك”…
قارئي العزيز التعليق متروك لك..
aaalnaem@gmail.com