صحيفة البعثمحليات

ترهل وفساد..

عدا عن الأسباب الموجبة التي أفرزتها الحرب الإرهابية وتركت أثراً سلبياً على الواقع المجتمعي والمعيشي والتنموي بشكل عام، ثمّة أسباب جوهرية سبقت آلة الحرب المدمرة، خلقت بيئة هشّة وفضفاضة لم تكن لتصمد أمام تفاقم الأزمات التي ضربت مفاصل وأوصال منظومتنا الخدمية والمؤسساتية بمختلف تصنيفاتها ومسمياتها، والتي ندفع جميعاً ضريبتها اليوم.

ولعلّ أكثر الأسباب تأثيراً خلال المرحلة السابقة والحالية، تجلّى في حالات التراخي والترهل في العمل الإداري الذي أنتج ورسخ تباعاً، وعلى مدى سنوات طويلة، مفاهيم غريبة عن مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا، أدّت إلى تفشي ظاهرة الفساد بمختلف أنواعه في كامل الجسم الوظيفي، وهو ما أضعف وربما غيّب القرار في حسم القضايا والملفات الملحة، خاصة تلك التي تتعارض مع المصالح والمنافع التشاركية والشخصية الضيّقة والتي ما زالت حتى اللحظة تشكل عائقاً في حلحلة وفك لغز وشيفرة عشرات الملفات العالقة والمشبوهة.

ما دفعنا إلى إثارة هذا الملف مجدداً، هو استمرار العمل بالعقلية والمنهجية نفسها في معظم مفاصل العمل الوظيفي، وتمترس البعض ممن يمسكون بالقرار خلف شعارات لم تعد مجدية وصالحة لهذه المرحلة، سوى أنها تشكل غطاءً  بات (مكشوفاً) لممارسات وتجاوزات إدارية وقانونية ومالية بعيدة عن عين الرقابة والمحاسبة.

ما نود الإشارة إليه وتأكيده في هذا السياق هو أن الواقع الإداري والوظيفي في حلب يعيش حالة من الفوضى والاضطراب، وينزلق في اتجاهات ومسارب لا تتواءم مع طبيعة وحساسية ودقة المرحلة الراهنة والمستقبلية، وهو مؤشر سلبي وخطير يتحمّل مسؤوليته وتبعاته رأس الهرم في المؤسسة، باعتباره المعنيّ أولاً وأخيراً بضبط إيقاع العمل الوظيفي وبما يخدم المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية.

باختزال شديد وبعيداً عن التفاصيل والمشاهد اليومية الملتقطة وما يجري في الخفاء والعلن من تجاوزات وتحايل على الأنظمة والقوانين في عدد من المديريات بعينها، يمثّل الفساد المالي فيها نتاجاً طبيعياً للفساد الإداري والوظيفي، والمطلوب تطبيق عقوبات قانونيّة صارمة تضع حداً لهذه الظاهرة والآفة الخطرة، وبالتالي تصحيح وتصويب مسارها، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التعامل مع الفساد وفق نظرة شمولية تشمل تفرعاته كافة، وعدم التهاون في محاسبة المتورطين والمرتزقين ليكونوا عبرة لغيرهم، كخطوة أولى على طريق إنجاز مشروع الإصلاح الإداري وعودة الهيبة والوقار لمديرياتنا ومؤسساتنا.

معن الغادري