دراساتصحيفة البعث

مع الأحداث “الأونروا” في خطر

في كل يوم ينحرف منحى القضية الفلسطينية من حديث عن عملية سلام يتوسط  فيها الأمريكيون إلى اصطفاف علني لواشنطن كطرف إلى جانب الكيان الإسرائيلي، ومنذ أن قطعت إدارة ترامب، في سياق تهرّبها من الالتزامات الدولية، مساعداتها عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بذريعة أنها متحيّزة للفلسطينيين، أصبحت مؤسسات “الأونروا”  الآن مستهدفة من قبل الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر من خلال التهديد بإغلاق مكاتب الوكالة في مدينة القدس المحتلة.

ومنذ تأسيسها عام 1949 تقوم “الأونروا” بعمليات في إطار ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف التي لا تزال سارية، وتمّ تفويضها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل توفير الحماية والمساعدة للاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكن عندما تنتهج “إسرائيل” نفس النهج الأمريكي، فهذا يعني أنها هي أيضاً ستتملص من الاتفاقيات الدولية شأنها شأن أمريكا، أي أنها ستكون في حل من قرارات منظمات الأمم المتحدة، وستعمل وفق أطماعها وأهدافها التوسعية. صحيح أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بأي قرار صادر عن الهيئات الدولية، ولم يلتزم بإعادة الحقوق لأصحابها الشرعيين، إلا أن تصريحات الكيان الإسرائيلي بحظر نشاط “الأونروا” في القدس المحتلة لها أبعاد خطيرة تندرج في إطار صفقة القرن الهادفة إلى تهويد القدس، وقطع الطريق على المطالبات الفلسطينية بجعل القدس عاصمة لـ فلسطين المحتلة.

لا شك أن الخطوة الاستباقية مدروسة ومنسقة مع الراعي الأمريكي المنحاز، فقد جرى الكشف قبل أيام عن وثيقة سياسية وضعتها وزارة خارجية الكيان الإسرائيلي، تتضمن القضاء على ملف اللاجئين الفلسطينيين، وبموجب هذه الوثيقة تنكر “إسرائيل” وجود أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني، وتزعم للمرة الأولى أن التعريف الموسّع للاجئين الفلسطينيين هو تعريف زائف، وأن “الأونروا” تفاقم الصراع من خلال المبالغة في عدد اللاجئين المزيفين، وتديم وضع اللاجئين وتؤجج دوامة الصراع، لأنه من خلال زيادة عدد اللاجئين المسجلين تحافظ “الأونروا” على طلب حق العودة، كما قالت الوثيقة بدون مواربة أن حق العودة المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194 “مثله مثل قرارات الجمعية العامة الأخرى، لا يتمتع بصلاحية قانونية”.

وعليه من الطبيعي أن تدفع المواقف المتماهية بين أمريكا و”إسرائيل” لتأجيج التوتر في الشرق الأوسط، وتجعل حلم الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة أبعد من أي وقت مضى، وتشكل قطيعة مع عقود من الإجماع الدولي على ضرورة التفاوض حول الوضع النهائي لمدينة القدس، لكن الواضح أن الهدف من إغلاق مكاتب “الأونروا” ووقف المساعدات الأميركية هو إجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات لتنفيذ ما وصفه الرئيس الأميركي “بالصفقة النهائية”.

وإذا لم تسر سفن ترامب بما تشتهيه رياح الكيان الغاصب، فلاشك أن فريق البيت الأبيض الذي يتزعمه صهره جاريد كوشنر، ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات سيعمل على مساعدة “إسرائيل” من أجل إنهاء الصراع بشروطها وإضفاء الشرعية على احتلالها، وبالتالي تجريد اللاجئين في جميع أنحاء العالم من حقوقهم، وبالتحديد تجريدهم من فكرة أنهم يستطيعون العودة يوماً إلى فلسطين التاريخية.

علي اليوسف