ثقافةصحيفة البعث

“أيام دمشق”.. نواة تأسيسية لجيل من السينمائيين الأطفال

 

اختتمت فعاليات أيام دمشق السينمائية لأفلام الطفولة واليافعين القصيرة والتي أقيمت تحت شعار “بالسينما جئناكم” بالتعاون بين الهيئة العامة لمدارس أبناء الشهداء ووزارة الخارجية ووزارة السياحة والجالية السورية في أوكرانيا والمؤسسة العامة للسينما.. وبيَّن مدير المهرجان المخرج السينمائي المهند كلثوم أن المهرجان يأتي ضمن خطة نشاط مدارس الشهداء الثقافي الداخلي لمدارسها ليكون حدثاً ثقافياً سينمائياً فنياً خاصاً بأفلام الأطفال واليافعين القصيرة.

مركز إبداعي لصناعة الأفلام
وأوضح كلثوم أن المهرجان يأتي ضمن خطة الهيئة العامة لمدارس أبناء الشهداء في تنمية قدرات ومهارات التواصل لدى طلابها وجعل مدارسها مركزاً إبداعياً لصناعة الأفلام السينمائية القصيرة من قبل الأطفال واليافعين ومكاناً لتبادل الخبرات والتفاعل بين اليافعين المعنيين بالأفلام حتى يعبّروا من خلاله عن التجارب الجديدة، منوهاً إلى أن المهرجان استقبل ضيوفاً من دول عربية وأجنبية صديقة وكرِّمت فيه أسماء كبيرة في عالم السينما كانت لها بصمتها العميقة في عوالم الطفولة واليافعين، منها الفنان السوري دريد لحام، الفنانة العراقية شذا السالم، والفنان الجزائري السوري طارق العربي طرقان، إلى جانب أقامته لمجموعة من الندوات وورش العمل.. وختم كلثوم كلامه بأن هذه التظاهرة ستشكل نواة تأسيسية لبلورة جيل جديد من السينمائيين الأطفال ونشر الثقافة السينمائية في المدارس والقطاعات التربوية والتعليمية، شاكراً الجهات التي دعمت إقامته.

معايير مهرجانية
ورأى مدير المهرجانات في مؤسسة السينما وعضو لجنة مشاهدة الأفلام وانتقائها في مهرجان أيام دمشق السينمائية عمار أحمد حامد أن ميزة هذه المهرجانات أنها فرصة للجمهور السوري ليتابع هذه النوعية من الأفلام القصيرة التي لا تعرض إلا ضمن مهرجانات خاصة بها، موضحاً أن مهرجان أيام دمشق السينمائية قدم مجموعة من الأفلام الخاصة بالأطفال واليافعين من مجموعة من الدول كمصر والهند وبريطانيا والجزائر والباكستان وليبيا وموريتانيا وغيرها، وهذا برأيه مهم لعشاق السينما والمهتمين بهذه النوعية من الأفلام، مشيراً كذلك إلى أن مثل هذه المهرجانات تربي ذائقة سينمائية على صعيد الأفلام القصيرة وتنتج أسماء سينمائية مختصة بهذه النوعية من الأفلام.. من هنا فإن أيام دمشق السينمائية شهدت حضوراً مميزاً لضيوف سينمائيين واستطاع استقطاب أفلام من دول مختلفة في ظل الوضع الحالي في سورية، وهذا الأمر مهم، مؤكداً أن هذا المهرجان مبادرة من المخرج المهند كلثوم وهو سيؤسس لمهرجان يقام كل عام، لافتاً إلى أن اختيار الأفلام المشاركة فيه تم وفق المعايير الفنية للنص والإخراج والتصوير وأداء الممثلين، وهي معايير متبعة في كل المهرجانات.

العودة للطفل
وبيّنت المخرجة السينمائية كوثر معراوي أن إقامة مهرجان يعنى بالطفل وقضاياه ومشاكله إن كان بتقديم الحلول أو طرحها أو الإشارة إليها من خلال الأفلام بحد ذاته خطوة مهمة جداً ومبشّرة بعودة وانتعاش المجتمع السوري وتجدده، موجهة الشكر الجزيل للمخرج المهند كلثوم مدير المهرجان لهذه المبادرة التي تعيد جمهوراً لطيفاً كالأطفال للسينما، وأيضاً يشجع الكتّاب على العودة للكتابة للطفل والعناية بعالمه ومخاطبته وتوجيه رسائل له، مشيرة إلى أننا وبعد الأزمة والحرب التي مرت بها سورية واجب علينا أن نداوي جراح أطفالنا بعدة طرق، منها الفن، وهو الألطف والأقرب لهم، حيث يوفر المتعة المنشودة بالمشاهدة والإبهار السمعي البصري، مبينة أن المشاركة في المهرجان تجعلنا نرى مشاكل أطفال المجتمعات المختلفة عنا والتي يتعرض لها الأطفال فيها، منوهة إلى أن ما يلفت في هذا المهرجان أن مناقشة الأفلام لم تكن مع النقاد فقط وإنما شارك فيها الأطفال واليافعون، فبعد عرض فيلمها “أفراح سوداء” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما والذي حضره أبناء الشهداء لفتتها آراء أغلب الأطفال ورغبتهم بإعادة سرد ما حدث خلال الحرب وكأنهم يريدون أن يسجلوا ما حدث لينتهي من ذاكرتهم، والصراخ والاعتراض من خلال هذه الأفلام لتكون صوتهم وصورتهم، فهم بعد ثماني سنوات ربما لم يستطيعوا بعد لملمة جراحهم ومداواتها، فالوقت برأيها لم يحن بعد، لذلك علينا العمل جميعاً من أجلهم، موضحة معرواي أنها ومن خلال مشاهدتها لبعض الأفلام لاحظت بأن الأفلام تقدَّم من خلال وجهة نظر ورأي الكبار للمشكلة التي تطرَح وليس من وجهة نظر الأطفال، وبذلك نفقد منطوق الأطفال ليستبدل بمنطوق الكبار، فعند مخاطبتهم يجب برأيها مراعاة مستوى تفكيرهم الحر اللامحدود والمتجدد دائماً والعقل النضر الذي يستقبل أية معلومة ويحللها بمنطق ربما يربك الكبار، لذلك ترى أنه عند تقديم عمل للطفل يجب أن تكون هناك دراية في سيكولوجية المجتمع الذي يعيش فيه هذا الطفل الذي يريد الكاتب التوجه إليه ليقترب مما يشغل تفكيره من مشاكل، مؤكدة على أن أي فيلم للأطفال يجب أن يكون أبطاله من الأطفال بمساعدة الكبار وليس العكس.. وختمت معرواي كلامها بالدعوة لتطوير المهرجان بتفادي الأخطاء وتكرار هذه الفعالية ونشرها وتكثيف العروض والتشجيع من خلال المكافآت التي تحفز على العمل بجد أكثر للوصول لصيغة مهرجان يضاهي المهرجانات العالمية.

في الوقت المناسب
أما المخرج محمد سمير الطحان الذي شارك في المهرجان من خلال فيلم “إشارة حمراء” ونال تنويهاً في المهرجان فقد أكد على أن فكرة المهرجان مهمة وجاءت في الوقت المناسب لتحفيز صنّاع الأفلام في سورية على وضع الأطفال واليافعين على أجندة مشاريعهم القادمة، وبذات الوقت هي لفتة تقدير لمن أخذوا على عاتقهم تقديم عوالم الأطفال وما حلّ بها خلال سنوات الحرب على سورية في أفلامهم، مشيراً إلى أن استحضار أفلام خاصة بالطفولة واليافعين من عدة دول أمر مهم للاطلاع على التجارب السينمائية العالمية في هذا المجال، إلى جانب أهمية ورشات العمل والندوات المرافقة للمهرجان والتي يشارك فيها عدد من السينمائيين الضيوف من خارج سورية مما يفتح آفاق الحوار ويضيف إلى ثقافة المشاركين السينمائية، مبيناً أن أهم ما يميز هذه التظاهرة السينمائية هو تبني مدارس أبناء وبنات الشهداء لها مما يعطيها بعداً تربوياً وتعليمياً ويضيف الكثير من المسؤولية على المشاركين، كما يعطيهم نوعاً من التكريم، فالأطفال واليافعون هم بناة مستقبل سورية وعمادها وحماتها فكيف إن كنا نتوجه بأفلامنا لأبناء من ضحوا بدمهم وأرواحهم فداء للوطن، متمنياً الطحان أن تشهد الدورات المقبلة من التظاهرة تطوراً في كل الجوانب الفنية والتنظيمية لتغدو مهرجاناً له مكانته على خارطة المهرجانات السينمائية العربية والعالمية، كما تمنى أن نشاهد تظاهرات سينمائية ومبادرات ثقافية أخرى في المستقبل من الشباب الفاعل في الوسط الثقافي السوري، وأن تكون مثل هذه الفعاليات محفزاً على العمل والاستمرار في الإنجاز للوصول إلى سينما متطورة في سورية، خاصة ما يتعلق بأفلام الأطفال واليافعين.

عالم ساحر
وأكد الممثل والمخرج عبد الله السيار المشارك في المهرجان من خلال فيلم “خبز” بالشراكة مع المخرج يزن أنزور والذي نال الجائزة الفضية أن عالم الطفل لا ينفصل عن عالم السينما ككل، بل تكاد تكون عوالمه أعمق وأدق مما يوجه في عالم السينما لرحابة وغنى عالم الطفل وما يزخر به من فنون الخيال والواقع، مبيناً أن المهرجان يسلط الضوء على جانب مهم لم يعد ضمن أولويات من يعملون بالسينما، فأعادته إلى الواجهة وعمدت إلى إبرازه رغم ما ينوء به من حمل ثقيل أرخت به الحرب فأعطته طابعاً مريراً وألبسته ثياب الحداد، موضحاً أن سينما الطفل لها طابعها الخاص وأسلوبها في طريقة تناولها للمواضيع التي تعالجها وتقدمها للمتلقي، والمهرجان برأيه يفتح الباب واسعاً أمام الأطفال والناشئة لمشاهدة أفلام سينمائية تناولت حياتهم وعالجت مشكلاتهم أو على الأقل سلطت الضوء عليها، لذلك فإن وجود مثل هذه المهرجانات يسهم في إعداد جيل واعد ومبدع يرسم ملامح شخصياتهم على أسس حميمة من البداية.
وتمنى السيّار استمرار الاهتمام بسينما الطفل في سورية ومتابعة العمل والدعم لصناعة الأفلام السينمائية لنعدّ جيلاً مثقفاً واعداً للمشاركة في بناء سورية الحديثة.

جوائز المهرجان
ذهبت جائزة لجنة النقاد السينمائيين للفيلم البريطاني سبيشل غيست كما نوهت اللجنة بثلاثة أفلام هي الفيلم السوري إشارة حمرا للمخرج محمد سمير طحان والعراقي لا تخبروا أنجلينا للمخرج ذو الفقار المطيري والفيلم الجزائري هيومن للمخرج عصام تعشيت وذهبت جائزة فلسطين للطفولة والإبداع لفيلم رؤية للمخرجة حنين مقداد، بينما حصل على المراكز الأولى في جائزة نبض الطفولة للتصوير الفوتوغرافي الذهبية للمصورة حلا الرجلة والفضية للمصور عبد الله خالد والبرونزية للمصورة جنان بدران.
وفي مسابقة الفيلم السوري نال الجائزة الذهبية فيلم كربون لسامي نوفل والفضية لفيلم خبز للمخرجين يزن أنزور وعبد الله السيار والجائزة البرونزية لفيلم آدم للمخرج محمد المرادي فيما نال فيلم زين للمخرجة سهى حسن وسوزان زكي تنويها وحجبت جائزة لجنة التحكيم في هذه المسابقة، أما في مسابقة الأفلام الدولية ذهبت الجائزة الذهبية لفيلم “الحب مع السينما” للمخرج “أسكار نوركان” من قيرغيزستان والفضية لفيلم “جولنازيك” للمخرجة “يلينا يرمولين” من روسيا والبرونزية لفيلم “دياب” للمخرج “مازن شرابياني” من العراق ونوهت اللجنة بفيلم “بيلونجينجز” للمخرج “جاتلا سيدراثا” من الهند وبفيلم “رويا” للمخرج “كارلوس هيداموس” من لبنان في حين حصل على جائزة الطفولة واليافعين الفيلم السوري ليل الغريب للمخرج مالك محمد، كما كرمت إدارة المهرجان في يوم الختام الفنان السوري الجزائري طارق العربي طرقان لما قدمه للطفولة من أغان وألحان.
أمينة عباس