اقتصادصحيفة البعث

خبير اقتصادي: العبرة في  “مبادلة النقود بالمنتجات” كونها ميزان القيمة المضافة وليس نوع العملة والنقود التي يُشتري بها.. خارج سرب الأصوات المطالبة بـ”المعاملة بالمثل”..!.

إن المجتمعات والدول والأوطان، تبني قوتها من خلال عدة زوايا هامة، أبرزها قوة بنيانها الاقتصادي – الاجتماعي، إضافة لزوايا مهمة أخرى لا يمكن تجاهلها. وتكمن القوة الاقتصادية بالإمكانية الكبرى لتحويل مدخلات الإنتاج إلى مخرجات إنتاج، تحمل قيمة مضافة اقتصادية، وتكون القوة أكبر كلما زادت نسبة القيمة المضافة للمنتج النهائي، وهذا وفق المنطق الفلسفي الاقتصادي مُسلم مستقر علمياً وعملياً، لدى كل مراكز الاقتصاد والأكاديميات الاختصاصية في العالم، أي غير قابل للطعن “مبرم”.

وعليه تكون قوة الجذب الداعم للاقتصاد كبيرة، كلما كانت المنتجات التصديرية لا تؤذي المواطن من خلال قلة عرضها داخلياً بسبب تصديرها، أو من خلال تحويل مخرجات الإنتاج من السوق الداخلي إلى السوق الخارجي، وبناء على ما سبق، كلما كان الإنتاج المحلي في حالة زيادة كمية عن كمية الاستهلاك المحلي، كان الاقتصاد أشد قدرة على جذب المُسْتَورِد أو الشاري الخارجي، وبالتالي تكثيف الموارد من العملة الأجنبية، واستطراداً زيادة قدرة تحسين الأداء من خلال العملة الصعبة الوافدة، إضافة لدعم العملة الوطنية (الليرة السورية) من خلال منع المضاربة عليها، نظراً لكثافة العملة الأجنبية الداخلة للوطن من خلال التصدير والبيع للخارج.

حتى لو قام الأجنبي بزيارة إلى سورية واشترى بالليرة السورية، التي استبدلها من عملة أجنبية فهذا لا يؤذي الاقتصاد السوري مطلقاً، لأن العبرة في “عملية مبادلة النقود بالمنتجات”، هي ميزان القيمة المضافة، وليس نوع العملة والنقود التي يُشتري فيها.!.

مقاربة مختلفة

هذا ما يراه الخبير الاقتصادي سامر الحلاق، الذي طالعنا برأي ومقاربة مختلفين اقتصادياًَ ونقدياً، على عكس ما أُثير من آراء ومواقف “محتجة وحتى رافضة” حول موضوع الملايين من الليرات السورية التي حصل عليها الأردنيون في الأردن، وبالمقابل كميات المواد والسلع الغذائية التي استجروها من سورية (750 طناً في الأيام الأولى من فتح معبر نصيب، حسب الدكتور أحمد الكزبري عضو مجلس الشعب السوري)، ودفعوا ثمنها بالليرة وليس بأية عملة صعبة.

 

ميزة اقتصادية

ويدافع الخبير عن رأيه قائلاً: إن مجيء الأردنيين إلى سورية ومعهم ملايين الليرات السورية (أكثر من مليار ليرة) لشراء منتجات سورية، هي ميزة اقتصادية لصالح الخزينة الوطنية السورية بامتياز لأنها تقوم بشراء منتجات مصنوعة في سورية، تملك قيمة مضافة (تصنيعية) عالية جداً، الأمر الذي يعود بالفائدة الكبرى على الخزينة الوطنية السورية وعلى حلقات الاقتصاد كافة: المنتج والعامل وموارد الخزينة من ضرائب التصنيع وغير ذلك، وعليه فإن أية محاولة تعكير لهذه الصورة الواضحة، ستكون في غير محلها الوطني السليم.

وبالنسبة لشراء الأردني من سورية بالليرة السورية وليس بالقطع الأجنبي، فلا يرى أنها خطر على الاقتصاد السوري، لأن إعادة الليرة السورية إلى وطنها، هو بحد ذاته أحد أهم أسباب تخفيف الضغط والمضاربة على الليرة السورية.

ويبين أنه كلما كانت كمية الليرات السورية داخل سورية أكبر، كان عامل المضاربة والضغط الخارجي عليها أضعف؛ وذلك لانخفاض كمية الليرات السورية لدى المضارب الخارجي، التي يستطيع المضاربة بها، عن طريق إنزال كميات كبيرة منها إلى سوق المضاربة، ليعرضها بيعاً بسعر أقل من سعرها الحقيقي في سورية.

مثال افتراضي

والمثال الأقرب هو التالي، لنفترض أن مؤسسة مالية كبرى خارج سورية، تتعامل بالليرة السورية والمضاربة عليها بقصد التأثير على الاقتصاد السوري، وضمنياً على القرار الاستراتيجي السوري -كمؤسسة الراجحي السعودية مثلاً- فحين يكون لديها كميات ضخمة من الليرات السورية، فإنها تستطيع أن تعرض الليرة السورية في سوق البورصة / المضاربة على أساس كل دولار$ = 490 ليرة مثلاً، بينما يكون سعره الحقيقي لدى التوازن السعري في سورية لا يتجاوز 450 ليرة لكل دولار$، وبالتالي فإن الفارق بين الرقمين سيسبب ضغطاً كبيراً على الليرة السورية ويضعف من قيمتها في العرض الخارجي، وهذا يعود سببه الأساسي لوجود كميات كبيرة من الليرات السورية في يد تريد الإيقاع سلباً بالليرة السورية، ومن ضمنها إيذاء الاقتصاد والقرار السوري.

لذا لا يتخوف الخبير الاقتصادي إن أتى السائح الأجنبي إلى سورية حاملاً معه الليرات السورية، لأن شراءه لليرة السورية من مكاتب الصرافة في بلاده، سيزيد الطلب عليها وبالتالي سيرتفع سعرها..! وهذه معادلة دورانية اقتصادية، لا يمكن للمتبصرين تجاهلها.

أما بالنسبة لعدم سماح دخول السوريين إلى الأردن -من الناحية الاقتصادية– فهو لمصلحة الوطن والمواطن السوري أولاً، لأن القدرة الشرائية لليرة السورية هي أقل من القدرة الشرائية للدينار الأردني، إضافة إلى أن تكلفة معيشة الأردني لعدة أيام في سورية، هي أقل بكثير من تكلفة إقامة مواطن سوري بالأردن لأيام مشابهة، وبالتالي فإن مصلحة المواطن السوري وخزينته الوطنية واقتصاده، تكمن بعدم الانتقال من منطقة تكون تكلفة معيشتها قليلة، إلى منطقة تكون تكلفة معيشتها عالية.

ما سلف هو توضيح اقتصادي- اجتماعي بحت للحالة الراهنة،  بعد افتتاح معبر نصيب – جابر؛ كاشفاً عن أن ما ينطبق على المعبر الأردني، ينطبق بالمطلق على معبر البوكمال الذي سيفتتح الشهر القادم.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com